من تكون هذه بضاعته من الشعر، حق له ألا يتعرض لتفسير الشعر وذكر قائليه على جهله بهم.
ليس هذا البيت لحسان، إنما هو لغيره، وهو المتوكل الليثي يعظ ابنه، وهو شعر معروف " لا يخفى على الضبع ".
؟ قال ابن السيرافي قال عمرو بن معد يكرب:
قد علمت سلمى وجاراتها ... ما قطر الفارس إلا أنا
شككت بالرمح حيازيمه ... والخيل تجري زيمًا بيننا
قال: قطر الفارس: ألقاه على أحد قطريه، وهما جانباه. في كلام يشبه هذا.
قال س: هذا موضع المثل:
طال النهار على من لا شراب له ... ولا معلل إلا سجن دوار
قل غناءً على المستفيد هذا القدر الذي ذكره ابن السيرافي من تفسير هذا الشعر، وذلك أنه لا يكاد يعرف حقيقة معناه إلا بمعرفة القصة المتعلق هو بها. وذلك أن عمرو بن معد يكرب حمل يوم القادسية على مرزبان - وهو يرى أنه رستم - فقتله، فقال في ذلك:
ألمم بسلمى قبل أن تظعنا ... إن لسلمى عندنا ديدنا
قد علمت سلمى وجاراتها ... ما قطر الفارس إلا أنا
شككت بالرمح حيازيمه ... والخيل تعدو زيمًا بيننا
؟ قال ابن السيرافي قال مسكين الدارمي:
ونابغة الجعدي بالرمل بيته ... عليه صفيحٌ من رخامٍ موضع
أتى ابن جعيلٍ بالجزيرة يومه ... وقد فارق الدنيا وما كان يجمع
قال: أراد أن قبر النابغة بالرمل، وذكر حال الشعراء المتقدمين، وأنهم فنوا وذهبوا ولم يبق منهم أحد. يصغر أمر الدنيا وحقره.
قال س: هذا موضع المثل: انظر بعينيك وهل يشفي النظر هذا الذي ذكره ابن السيرافي من تفسير هذا الشعر لا يجدي فتيلًا، وذلك أنه لم يأت بالبيتين على ولاء، وترك بينهما بيتًا، ثم أساء في قوله: إن قبر النابغة في الرمل. ولولا أن الشاعر أراد بهذا معنىً خفي على ابن السيرافي - ولم يرد رملًا من الرمال ههنا نكرة - لكان قد أصاب فيما قاله، ولكنه أراد ها هنا رمال بني جعدة، وهي رمال وراء الفلج. وإنما خص هذه الرمال أن فيها قبر النابغة الجعدي، لأنها بلاده.
وذكر في هذه القصيدة شعراء، كل واحد منهم نسب قبره إلى بلده ومسقط رأسه، والأبيات تدل على ما قلت لك، وهي لمسكين بن عامر الدارمي:
ولست بأحيا من رجالٍ رأيتهم ... لكل امرئٍ يومًا حمامٌ ومصرع
دعا ضابئًا داعي المنايا فجاءه ... ولما دعوا باسم ابن دارة أسمعوا
وحصنٌ بصحراء الثوية بيته ... ألا إنما الدنيا متاعٌ ممتع
وأوس بن مغراء القريعي قد ثوى ... له فوق أبيات الرياحي مضجع
ونابغة الجعدي بالرمل بيته ... عليه صفيحٌ من رخام موضع
وما رجعت من حميريٍّ عصابةٌ ... إلى ابن وثيلٍ نفسه حين تنزع
أرى ابن جعيلٍ بالجزيرة بيته ... وقد ترك الدنيا وما كان يجمع
بنجران أوصال النجاشي أصبحت ... تلوذ به طيرٌ عكوفٌ ووقع
ألا ترى أنه جعل بيت ابن جعيل بالجزيرة، لأنها بلاد بني تغلب، وجعل قبر النجاشي بنجران لأنه من اليمن بلاد بني الحارث بن كعب.
وقد مات شماخٌ ومات مزردٌ ... وأي عزيز لا أبا لك يمنع
أولئك قوم قد مضوا لسبيلهم ... كما مات لقمان بن عادٍ وتبع
؟ قال ابن السيرافي قال الأخطل:
فإن تبخل سدوس بدرهميها ... فإن الريح طيبةٌ قبول
قال: قوله: " فإن الريح طيبة قبول " قيل في تفسيره: إن الأرض واسعة، يقصدة منها الإنسان حيث شاء، وفي أي جهات الريح شاء أن يسلك سلك.
قال س: هذا موضع المثل:
أريد وصاله ويريد هجري ... وهيهات العلوق من الرؤوم
أراد الأخطل بهذا البيت غير المعنى الذي ذهب إليه ابن السيرافي. ومعنى قوله: " فإن تبخل سدوس بدرهميها.. البيت " أي نحن على حالنا أغنياء، لم يضرر بنا منعهم إيانا ولم نتضعضع. ومثله في المعنى قول نصر بن سيار لبني تميم:
فإن تنصرونا لا نعز بنصركم ... وإن تخذلونا فالسماء سماء
؟ قال ابن السيرافي قال عدي بن ربيعة التغلبي - أخو كليب ومهلهل ابني ربيعة - يرثي مهلهلًا، ويذكر من هلك من قومه:
1 / 30