يا مر إني لكم الصفي
وأنت خالي وأنا السمي
وقد يهان النسب القصي
وأبو عامر يرتجز ويقول في ذلك:
يسألني الأقوام أين مالي
لا تسألوني واسألوا أخوالي
يا رب ماءٍ لك بالأجدال
بغيبغٍ ينزع بالعقال
يخر فيه ثمر الهدال
وقال أبو عامر في ذلك:
أعرف أخوالي وأدعوهم ... كأن أمي ثم من بارق
لا نسب اليوم ولا خلةً ... اتسع الخرق على الراتق
إن بغيضًا نسبٌ فاسخٌ ... ليس بموثوق ولا واثق
أسيافنا يأخذن أولاهم ... خطف عصي المورد الواسق
لا صلح بيني فاعلموه ولا ... بينكم ما حملت عاتقي
سيفي وما كنا بنجد وما ... قرقر قمر الواد بالشاهق
ومعنى قوله: " وما قرقر قمر الواد بالشاهق " يعني أنه يجيء من السيل ما لا يمكن أن يسكن الرياض، فيلجأ إلى الأشجار والشواهق، فحينئذ يكثر الكلأ والخصب، فيهيج الحرب بينهم.
؟ قال ابن السيرافي قال ابن الرقيات:
لا بارك الله في الغواني هل ... يصبحن إلا لهن مطلب
قال: الشاهد فيه أنه حرك الياء من الغواني بالكسر للضرورة.
قال س: هذا موضع المثل: يحملها الجوع على مر الشجر إنما يكون البيت حجة عند الضرورة، إذا لم يكن في موضع الشاهد منه رواية أخرى هي أجود من الأولى، ولم يمكن رواية ذلك على وجه آخر.
فأما هذا البيت الذي أورده، فقد روي فيه وجه آخر رواه الأصمعي، وهو:
لا بارك الله في الغواني وهل ... يصبحن إلا لهن مطلب
وتعلق المحتج بهذا البيت، يدل على أنه لم يكن غزيرًا في رواية الشعر، فلو احتج بقول القائل
قد كاد يذهب بالدنيا ولذتها ... مواليٌ ككباش العوس سحاح
ما فيهم واحد إلا بحجزته ... لبابه من علاج القين مفتاح
لكان أقوى وأقوم للحجة.
؟ قال ابن السيرافي قال الأخضر بن هبيرة الضبي:
فما أنا يوم الرقمتين بناكلٍ ... ولا السيف إن جردته بكليل
وما كنت ضفاطًا ولكن طالبًا ... أقام قليلًا فوق ظهر سبيل
قال: قال الأخضر بن هبيرة الضبي هذا الشعر في شأن ابنٍ له قتلته طهية في حرب بينهم.
قال س: هذا موضع المثل:
يومٌ على ذات الشقوق ضاح ... يعقب محلًا في بطون الراح
مثل هذا من الشعر يكد المفسر له - إذا لم يكن متبحرًا في معرفة الأيام، ولم يكن غزيرًا في رواية الشعر.
غلط ابن السيرافي ها هنا من جهات: منها أنه نسب هذا الشعر إلى الأخضر بن هبيرة وليس هوله، ثم إنه قد أتى ببيتين محرفين عن جهة الصواب. ومثل هذا من الشعر - إذا لم تعرف قصته مستوفاةً - لم يعرف معناه البتة.
وكان من قصته أن الحارث بن حاطب الجمحي كان على صدقات عمرو بن حنظلة، وكان مروان بن الحكم ولاه، فصنعت له بنو طهية طعامًا، وصنع له عوف بن القعقاع طعامًا، فأدرك طعام بني طهية قبل طعام عوف، فأكل الحارث طعامهم، وأهدى ظهير بن شداد الميثاوي جفنة حيسٍ لعوف بن القعقاع، فردها وقال: يظن أنا نأكل حيسًا بات خصيا ظهير ينطفان فيه. ووقع بينهم شر، فارتموا، فرمى رجل منهم قيس بن عوف بن القعقاع بحجر على عمود كبده فمات، فقال راجز بني طهية:
نحن قتلنا في العراك قيسا
ثم أكلنا بعد ذاك الحيسا
فاستعدوا الحارث بن حاطب، وادعوا الرمي على ظهير بن شداد، فأقاموا عليه ببينة، فدعا الحارث بن طهية، فجرحت الشهود، فقام الأخضر بن هبيرة ابن المنذر بن ضرار الضبي فقال للشاهد الذي شهد على ظهير: لا أعلمني رأيت فاحشة إلا وقد رأيت هذا يركبها، إلا أني لم أره ينكح أمه. فأبطلوا عنه شهادة هذا الرجل. فقال الأخضر بن هبيرة:
منعت ظهيرًا بعدما ظن أنه ... مخالط جدٍّ ليس في الجد باطل
منعت وألقيت الشراشر دونه ... مواصلةً لن يعدم الخير واصل
على ساعةٍ لا يستطيع خطابها ... من القوم إلا أن يوفق قائل
1 / 28