قال: يريد لا ترتبي أضيافي، فتكرمي بعضهم وتهيني بعضهم، بل أكرمي جماعتهم ولا تحقري واحدًا منهم.
قال: وقوله ولا تجعلي لي خادمًا لا أحب خدمته، فيأخذني من كراهيتي لخدمته حمى.
قال س: هذا موضع المثل:
إذا ما جئت عنبسة بن يحيى ... رجعت مقلدًا خفى حنين
أي فائدة للمستفيد فيما ذكره ابن السيرافي ها هنا من قوله: لا ترتبي أضيافي، فتكرمي بعضهم، وتهيني بعضًا، من غير أن يذكر ما علة ذلك، ولم يكره قائل هذا الشعر إكرام بعضٍ وإهانة آخرين؟ وهذه والله أحموقة ظاهرة، وحماقات الرجال كثيرة.
وإنما أراد العجير بهذا القول أنه إذا أكرمت بعض الضيفان دون بعض، فلهوى امرأته فيه، وكذلك إذا استخدمت خادمًا يكرهه العجير، فإن ذلك أيضًا لأمرٍ ما مريب. ومن لم يعرف قصة هذه الأبيات وأبيات القصيدة كلها - فإن كل بيت منها يدل على ما قلت لك - لم يعرف معنى هذا الشعر.
وذلك أن امرأة العجير كانت نشزت عليه، فرابه أمرها، وقالت لا بد لي من الحج، وقال ابنها: لا بد لأمي من الحج، فدعها ترتحل أحد أبعرتها هؤلاء. فلم يرها إلا تقود إحداها قد جاءت به وخطمته، فقال - وهي عثمة بنت معبد بن عبد الرحمن -:
يا رب لا تغفر لعثمة ذنبها ... وإن لم يعاقبها العجير فعاقب
ولم أرها إلا تقود بعيرها ... فقالت: أرحني أي ركبٍ أصاحب
فقلت لها: قد راح قبلك فتيةٌ ... على قطرياتٍ خفاف الحقائب
أخاف عليك الله أن يجعل التقى ... سواك، وتلقي بعض تلك الصقالب
أخاف إذا ماجت حبالٌ وغيرت ... وغيب عنك القوم وخد النجائب
وشمر مجنونٌ على شمريةٍ ... بصيرٌ بعرس الشيخ والشيخ غائب
فلما تناولت القلوص لتركبي ... هوت كفه تفتات إحدى العجائب
فملت التواءً غير نفرٍ وليتني ... أراك، وللمقدور حين الجوالب
فما شابك الأنياب قد شال خطره ... يحوط القصايا محنقًا في السلائب
بأسرع مني غيرةً فاحذرنني ... على الرأس، أو ضربًا خلاف الرواجب
وما صقر حجاج بن يوسف ممسكًا ... بأسرع مني لمح عينٍ بحاجب
حرامٌ عليك الحج لا تقربنه ... إذا حان حج المسلمات التوائب
ولا تجعلي ضيفي ضيف مقربٌ ... وآخر معزولٌ عن البيت جانب
ولا تجعلي لي خادمًا لا أحبه ... فيأخذني من ذاك حمى وصالب
وضمي رحال القوم أو أبرزيهم ... ولا تفعلي ما ليس مثلي يقارب
سمت عينها والعيس ينفخن في البرى ... إلى راكبٍ من دونه ألف راكب
قال ابن السيرافي قالت الخنساء
وجاريةٍ من بنات الملو ... ك قعقعت بالخيل خلخالها
ككرفية الغيث ذات الصبير ... تأتى السحاب وتأتالها
فلا مزنةٌ ودقت ودقها ... ولا أرض أبقل إبقالها
قال: تأتى السحاب: تقصد إلى جملة السحاب، تسير إلى السحاب برفق وتؤدة، وتأتال: تصلح السحاب بانضمامها إليه. وتأتال تفتعل، من: آل الشيء يؤوله إذا أصلحه.
قال س: هذا موضع المثل:
لليل خودٍ بين ماشطاتها
وبين داياتٍ وأمهاتها
أهون من ليل معانداتها
لو ترك ابن السيرافي مثل هذا الشعر، الذي لم يعرفه، ولم يعرف قائله، وجاء به متفرقًا لا متواليًا، ولم يفسر قوله تأتالها: تصلح السحاب وتشاغل بإعراب وطرف من - كان أهدى سبيلا.
ليست هذه الأبيات للخنساء، وقد سقط منها أيضًا بيت وهو أجودها، وقوله: تأتالها أي تصلح السحاب فضيحة، لأنه لو كان كذلك، أوجب أن يرفع اللام، لأنه لا ناصب ها هنا للفعل.
والأبيات لعامر بن جوين الطائي، ونظامها:
وجاريةٍ من بنات الملو ... ك قعقعت بالرمح خلخالها
ككرفئة الغيث ذات الصبي ... ر ترمي السحاب ويرمى لها
تواعدها بعد مر النجو ... م كلفاء تكثر تهطالها
فلا مزنةٌ ودقت ودقها ... ولا أرض أبقل إبقالها
1 / 21