قال أبو الندى: كان أنس مجاورًا لبني الحارث بن كعب، فوجد أصحابه منهم جفاءً، فأرادوا أن يفارقوهم، فقال لهم: أقيموا إلى الصباح. فلما ظفر بنو الحارث ببني عامر يوم فيف الريح، قال عند ذلك ما قال. وأول الأبيات:
دعوت بني قحافة فاستجابوا ... فقلت ردوا فقد طاب الورود
دعوت إلى المصاع فجاوبوني ... بوردٍ ما ينهنهه المزيد
كأن غمامةً برقت عليهم ... من الأصياف ترجسها الرعود
عزمت على إقامة ذي صباحٍ ... لأمرٍ ما يسود من يسود
قال ابن السيرافي قال جرير
أبا لأراجيز يا بن اللؤم توعدنيوفي الأراجيز خلت اللؤم والخور
قال: أراد بهذا الكلام عمر بن لجأ، يقول: أتهددني بالأراجيز، وفي الأراجيز خلت لؤم الشعراء وخورهم.
قال س: هذا موضع المثل:
لا در در ابني قريعة بعدها ... في بدء وافدةٍ ولا تعقيب
لم يوفق ابن السيرافي للصواب في هذا البيت، بل أخطأ فيه من جهتين: الأولى أنه نسب البيت إلى جرير، وإنما هو للعين المنقري.
والثانية أنه غير القافية من الفشل إلى الخور.
وأخطأ من جهة ثالثة أيضًا، وهو أنه جعل هذا البيت هجاء لعمر بن لجأ التيمي، وهو هجاء لرؤبة بن العجاج.
والأبيات للعين المنقري يهجو رؤبة، وهي:
إني أنا ابن جلا إن كنت تعرفني ... يا روب والحية الصماء في الجبل
أبا الأراجيز يا بن الوقب توعدني ... وفي الأراجيز بيت اللؤم والفشل
ما في الدوابر في رجلي من عقلٍ ... عند الرهان ولا أكوى من العفل
وكانت أم مالك بنت سعد من كلب، وكانت ضرائرها تسميها عفيل، ورؤبة من بني مالك بن سعد، وبنو مالك بن سعد هؤلاء يسمون بني العفيل.
قال ابن السيرافي قال الشاعر
كونوا أنتم وبني أبيكم ... مكان الكليتين من الطحال
قال: يقول: اقربوا من بني أبيكم وعاضدوهم، وليكن مكانكم منهم كمكان الكليتين من الطحال.
قال س: لا أعرف هذا البيت على هذا الإنشاد، وأعرف " مكان الكليتين من الطحال " في أبيات لشعبة بن قمير المازني، ولعل هذا ذاك فغير. وأبيات شعبة:
فأبلغ مالكًا عني رسولًا ... وما يغني الرسول إليك مال
تخادعنا عنا وتوعدنا رويدًا ... كدأب الذئب يأدو للغزال
فلا تفعل فإن أخاك جلدٌ ... على العزاء فيها ذو احتيال
وأنا سوف نجعل موليينا ... مكان الكليتين من الطحال
ونغنى في الحوادث عن أخينا ... كما تغنى اليمين عن الشمال
قال ابن السيرافي قال الشماخ
أقب كأن منخره إذا ما ... أرن على تواليهن كير
له زجلٌ كأنه صوت حادٍ ... إذا طلب الوسيقة أو زمير
قال س: هذا موضع المثل:
ضرط البلقاء جالت في الرسن
هذا باطل، وليس البيت للشماخ، إنما هو لربيع بن قعنب الفزاري.
قال ابن السيرافي قال مضرس الأسدي
كلابيةٌ وبريةٌ حبتريةٌ ... نأتك وخانت بالمواعيد والذمم
قال: في الكتاب حبترية بباء وتاء معجمة بنقطتين. وفي شعره حنثرية بنون وثاء منقوطة بثلاث نقط، ونأتك يعني نأت عنك.
قال س: هذا موضع المثل:
حقرته حتى إذا ظهري عرق ... خليت عنه وهو ناجٍ منطلق
حام ابن السيرافي على الصواب ولم يرد، وذاك أنه ذكر أن في الكتاب حبترية بباء وتاء معجمة بنقطتين، ثم قال: وفي شعره حنثرية بنون وثاء منقوطة بثلاث نقط، ثم سكت ولم يرجح الصواب على الخطأ، حتى لا يدري المستفيد أيًا يأخذ وأيًا يدع، وهذه رقاعة تامة.
والصواب في بيت الكتاب حنثرية بالنون والثاء المعجمة ثلاثًا من فوق، وهو حنثر بن وهب بن وبر بن الأضبط بن كلاب.
وفي تميم أيضًا - وليس هذا موضعه - حنثر بن غوي بن سلامة بن غوي ابن جروة بن أسيد. وفي أسد أيضًا حنثر بن كاهل بن أسد.
فأما حبتر بالباء والتاء المعجمة بثنتين من فوق، فهو حبتر بن عدي بن سلول من خزاعة. ومثل قول مضرس في الترتيب، قول سنجاع بن ركاض السلمي، أنشدناه أبو الندى:
1 / 19