قلت: لو عارضوا القرآن أو شيء منه ما يقدح في إعارة لوجب أن يفعل إلينا معارضة، كما نقل هو إلى البناء لأن العادة خارقة في كل متعارضين أنه متى نقل أحدهما على وجه الإشهار والظهور أن ينقل الآخر كذلك نقل أحدهما لأن الداعي ليس إلا التعجب أو التعصب وهو ببينته يدعوا إلى نقل الآخر، وهذه القصة في القرآن ألزم من حيث أقص إثبات نبؤة وتأسيس شريعة ونسخ أخر وطمس ملل وأديان فكانت معارضة ألا ترى إلا نقائض، والفروق وحريرا (1) استبراء بعلمهما في الاستقامة وليس الموجب لذلك هو الحسب قوله فلما لم ينقل إلينا علمنا أنها لم تكن ألا ترى أنه قد نقل إلينا من غير القادحة كمعارضة كذاب اليمامة (2) [ 16 ب -أ]بقوله "إنا أعطيناك الجواهر فصلي لربك لا جاهر ولا تطع كل كذاب فاجر" (3) فثبت بهذا أن محمدا -صلى الله عليه وآله وسلم- صادق وأن القول معجز وقد ذكر الحاكم (4) له -عليه السلام- إلى ألف معجزة منع من ذكرها أو بعضها والاختصار وأما [ما ]احتج به المخالف فهو أتى بقوله: أن موسى -عليه السلام- قد نسخ شرائع من قبله فشريعته -صلى الله عليه وسلم- غير شريعة أدم وغيره من تقدمه فإن الجمع بين الأختين كان جائزا في شريعة يعقوب وحرم في شريعة موسى، وكذلك الأختان في شريعة إبراهيم في الكبر فصار في شريعة موسى في الصغر ، فلو جاز ذلك لموسى -عليه السلام- جاز لنبينا -صلى الله عليه وآله وسلم- فإن قالوا أنه لم يكن قبل موسى -عليه السلام-شريعة أكذبهم كتابنا بعد أن صح أنه كلام إذ يقول الله فيه [ ] { صحف إبراهيم وموسى } (1).
وأما من قال بتأدية النسخ إلى البداء فقد بينا ما أراد بالبداء ونحن نقول لهم لا نسلم أن النسخ بداء وإنما نقول: أن الله تعالى علم الفعل الأول مصلحة إلى وقت معين، فلما انقض ذلك الوقت لأن يفعل أصلح من الأول في هذا الوقت وهذا أنصح على الله تعالى.
وأما ما رووه عن موسى -عليه السلام- فهو باطل من أمرين: أحدهما أنه منقول بالعبرانية فلا يأمن وقوع الخطأ فيه، إما بحذف لفظ أو زيادة أو تقديم أو تأخير عمدا أو سهوا، ولهذا المعنى منع بعض علمائنا أن يروي الحديث عن نبينا -صلى الله عليه وآله وسلم- بالمعنى دون اللفظ وجوزه الجمهور ( ).
[ فصل ]
القاضي (2) فقال: إن كان الراوي عدلا عالما ضابطا جاز أن يقبل منه الحديث وإلا فلا( ).
الثاني: أنا نقول قد دل الدليل على صحة نبوة نبينا -صلى الله عليه وآله وسلم- وقد أخبر أن شريعته ناسخة لما قبلها، فوجب تأويل هذا الخبر إن سلمنا صحته، وهو أن التقدير أبدى إن لم يظهر نبي صادق ولا ينفعهم لفظ التأبيد لأنه قد يجوز معه الانقطاع عندهم، فإن العبد عندهم يستخدم ست سنين ثم يعرض عليه العتق فإن أبى قعبت أذنه واستخدم أبدا ثم نسخ بذلك فإن يستخدم خمس سنة( ).
Page 67