قوله (وأن محمدا -صلى الله عليه وآله وسلم- أفضل ذوي النبوات) أراد بذلك أنه صادق فيما ادعاه من النبوة وسنبين أنه أفضل والخلاف في صدقه مع اليهود والنصارى فإنهم كذبوه في ذلك واحتجوا بأنه أتانا بالنسخ، والنسخ عندهم لا يجوز إتيانه إلا البداء (1) ويريدون بالبداء انه ينكشف له أن الأول مفسدة فكيف يغيره، وذلك لا يجوز على الله تعالى وروى عن موسى عليه السلام [ ]((شريعتي لا تنسخ أبدا وتمسكوا بالسبت أبدا)) (2) والدليل على صحة مذهبنا قوله بدليل ما ظهر عقيب ادعائه لها من المعجزات أدل ذلك على نبوته لأنه لا يجوز من الله تعالى أن يظهر المعجز على يدي كاذب لأنه يجري مجراه التصديق بالقول وتصديق الكتاب بالقول كذب والكذب قبيح والله يتعالى عن فعله والدليل على أنه يجري مجر التصديق بالقول أن الواحد منا لو قال الدليل على صدق دعوى الولاية أن الملك يضع تاجه على رأس من غير جري عادة بذلك ووضعه الملك كأن ذلك تصديقا له ضرورة وإنما قال عقيب ادعائه لها لأن المعجز لا يدل على إلا إذا ظهر عقيب دعوة النبوة بعد أن يقول الدليل على صدقي أنه يظهر كذا فلو ظهر من دون ذلك لم يكن أن يدل على تصديقه أولى من العكس ومن أن يدل على صدق غيره ثم بين المعجز الذي ظهر عقيب دعواه النبوة -صلى الله عليه وآله وسلم- بقوله وأظهرها وأيضا ذكر القرآن لأنه أظهر ما نقل إلينا والدليل على أنه معجز أن حقيقة المعجز قد حصلت فيه وهي الفعل الخارق للعادة المتعلق بدعوى المدعي للنبوة أما أنه فعل فلأنه كلام ولا كلام فعل المتكلم وأما خارق للعادة فدليله قوله: (إذ عجز ذوي الفصاحات به) وإنما كان هذا دليل على أنه بخارق للعادة لأنه ليس من العادة أن ينسبا الرجل العرب وتأخذ اللعنة عنه ثم يأتي من الكلام الفصيح[16ب-أ] أفصح بما يعجز عنه فصحائهم المشهورون بالفصاحة على أن الإتيان بمثله أو مقارب له بل العادة خارقة بأنه لا يوجد فصيح في عصر من الأعصار إلا وفي ذلك العصر من يساويه بالفصاحة أو يقاربه وأما أنه متعلق بدعوى المدعي فلإنه -صلى الله عليه وآله وسلم- أدعى النبوة واستدل على صدق نفسه بالتمييز على أن يأتوا بمثل القرآن وأخبر انهم لا يأتون بمثله، ولو تظاهروا وتعاونوا كان الأمر كما ذكرتم ثم ذكر الدليل على أنهم عجزوا عنه بقوله (لعدولهم إلى المجاريات على أن يبطلوا أمره بالمعارضات)، وإنما دل ذلك على عجزهم لأنهم لما كانوا أشد الناس حرصا على إبطال أمره -صلى الله عليه وآله وسلم- وإسقاط دعواه وقد عرفهم أنهم إن يأتوا بمثله لم تجب عليهم طاعته ومتى لم يأتوا بذلك وجب عليهم وعدلوا إلى بذل النفوس وصبروا على مرارة الحرب علمنا عجزهم عن المعارضة قوله: (بعد تحديهم بعظيم التحديات) يشير إلى قوله تعالى [ ] { أم يقولون تقوله بل لا يؤمنون } (1) قلنا لو يحدث بمثله إن كانوا صادقين [ ] { ولو اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا } (2) ثم أنزلهم مرتبة ثابتة وذلك [ ] { فأتوا بعشر سور مثله مفتريات } (3) ثم أنزلهم مرتبة ثالثة [ ] { فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهدائكم من دون الله إن كنتم صادقين } (4) فلما لم يأتوا بشيء من ذلك توعدهم وتهددهم فقال [ ] { فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة } (5) وهذا غاية التحدي الباعث على المعارضة. فإن قلت: وما يؤمنك أنهم عارضوا فلما لم يقبل منهم حاربوا.
Page 65