وعليها جلّ [١] يساوي مبلغا كثيرا، وقد بلغ منها العطش والتعب، وقد كادت تموت تعبا وعطشا، فعلم أنها ليزيد، وأنها قد شذّت منه. فقام إليها وقدّم لها ماء، وتعهّدها بنفسه. فما شعر إلا بشاب حسن الصورة على فرس جميل، وعليه زيّ الملوك، وقد علته غبرة فقام إليه وسلّم عليه، فقال له- أرأيت كلبة عابرة بهذا الموضع؟ فقال- نعم يا مولانا، ها هي في الخيمة قد شربت ماء واستراحت، وقد كانت لما جاءت إلى ها هنا، جاءت على غاية من العطش والتّعب. فلما سمع يزيد كلامه، نزل ودخل الخيمة، ونظر إلى الكلبة وقد استراحت، فجذب بجلّها ليخرج بها فشكا الرّجل إليه حاله، وعرّفه ما أخذ منه عبيد الله بن زياد. فطلب دواة وكتب له بردّ ماله وخلعة سنيّة، وأخذ الكلبة وخرج. فردّ الرّجل [٢] من ساعته إلى الكوفة ولم يدخل دمشق.
وكان السلطان مسعود [٣] يبالغ أيضا في ذلك، ويلبس الكلاب الجلال الأطلس الموشاة، ويسوّرها بالأساور. وكان يقلل في بعض الوقت الالتفات إلى أمين الدولة ابن التلميذ [٤] الطبيب النصرانيّ، وكان فاضلا ظريفا فقال:
من كان يلبس كلبه ... وشيا ويقنع لي بجلدي
فالكلب خير عنده ... مني، وخير منه عندي
(كامل) وحدّثني الأمير فخر الدين بغدي بن قشتمر قال- ضرب جدّي الملك قشتمر حلقة للصّيد، فوقع فيها إنسان قصير جدّا، كصغير يكون عمره خمس سنين، وقد طالت أظفاره وشعر بدنه طولا مفرطا. قال: فامسكوه وأحضروه بين يدي
_________
[١] الجلّ: ثوب تصان به الدابّة أو الحيوان وجمعها جلال وأجلال.
[٢] ردّ إلى الكوفة: رجع إليها.
[٣] مسعود: هو مسعود بن محمّد السلجوقي. خلع المسترشد وأقام المكتفي من خلفاء بغداد.
توفي/ ٥٤٧/ هـ.
[٤] ابن التّلميذ: طبيب نسطوري، له شعر طريف وملح. مات/ ٥٦١/ هـ.
1 / 60