فأطلقنا شاهينا فعلا وانحطّ على الأعلى من الكراكيّ فلطمه، فوقع على الثاني فكسره، ثم وقعا كلاهما على الثالث فكسراه، ووقعت الثلاثة بين يدي السّلطان، قال: فتعجّب من ذلك غاية العجب، وخلع علينا جميعنا. وقال الصاحب علاء الدين في جهان كشاي: إن حلقة جنكزخان كان أمدها مسير ثلاثة شهور. وما أرى هذا إلا مستبعدا. وما لهج الملوك بالصيد هذا اللهج الشّديد. ولا كلفوا به هذا الكلف العظيم. وأطلقوا للبازياريّة الأموال الجليلة، وأقطعوهم الإقطاعات السنيّة، وسهّلوا عليهم حجابهم، وقطعوا معظم زمانهم فيه باطلا ولا عبثا. فإنّ القنص يشتمل على فوائد كثيرة جليلة النّفع. منها- وهو الغرض الأشرف منه- تمرين العساكر على الرّكض والكرّ والعطف، وتعويدهم الفروسيّة، وإدمانهم للرمي بالنشّاب، والضرب بالسّيف والدبّوس، واعتياد القتل والسّفك، وتقليل المبالاة بإراقة الدّماء وغصب النفوس. ومنها اختبار الخيول، ومعرفة سبقها وصبرها على دوام الركض ومنها أن حركة الصيد حركة رياضية تعين على الهضم وتحفظ صحّة المزاج ومنها: فضل لحم الصيد على باقي اللحوم، لأنه بقلقه من الجوارح تثور حرارته الغريزيّة، فتزيد في حرارة الإنسان. قال بعض الحكماء- وخير اللحم ما أقلقه الجارح إقلاقا. ومنها- الطّرف العجيبة التي تتّفق فيه، وقد تقدم ذكر شيء منها.
وكان يزيد بن معاوية أشدّ الناس كلفا بالصّيد، لا يزال لاهيا به، وكان يلبس كلاب الصيد الأساور من الذّهب، والجلال المنسوجة منه، ويهب لكلّ كلب عبدا يخدمه. قيل: إن عبيد الله بن زياد أخذ من بعض أهل الكوفة أربعمائة ألف دينار جباية وجعلها في خزن بيت المال. فرحل ذلك الرجل من الكوفة وقصد دمشق ليشكو حاله إلى يزيد- وكانت دمشق في تلك الأيام فيها سرير الملك- فلما وصل الرجل إلى ظاهر دمشق، سأل عن يزيد فعرفوه أنه في الصيد، فكره أن يدخل دمشق وليس يزيد حاضرا فيها. فضرب مخيّمه ظاهر المدينة وأقام به ينتظر عود يزيد من الصيد. فبينما هو في بعض الأيام جالس في خيمته، لم يشعر إلا بكلبة قد دخلت عليه الخيمة، وفي قوائمها الأساور الذّهب،
1 / 59