غير هذا؟ ولولا أن أكون قد دست بساطك، وأكلت من طعامك، لأشعت هذه الرقعة، ولكنّي أرعى لك حقّ ما ذكرت، فلا يعلم بها، إلا الله وأنت، وو الله ثمّ والله ثمّ والله، ما لها عندي نسخة ولا رآها مخلوق غيري، ولا علم بها فأبطلها أنت إذا وقفت عليها وأعدمها، والسّلام على من اتّبع الهدى.
ويجب أن يكون الملك مجازيا على الإحسان بمثله، وعلى الإساءة بمثلها لتكون رعيّته دائما راجين لبرّه، خائفين من سطوته. وما أحسن قول النابغة للنعمان بن المنذر في هذا الباب!! وهو:
ومن أطاعك فانفعه بطاعته ... كما أطاعك، وادلله على الرّشد
ومن عصاك فعاقبه معاقبة ... تنهى الظلوم ولا تقعد على ضمد [١]
(بسيط) وقالت الفرس: فساد المملكة واستجراء الرعيّة وخراب البلاد، بإبطال الوعد والوعيد. ولا يليق بالملك الفاضل أن يكون افتخاره بزخارف الملك، ممّا حوته واشتملت عليه خزائنه من نفائس الذخائر، وطرائف المقتنيات فإنّ تلك ترّهات لا حقائق لها، ولا معرّج لفاضل عليها، وكذلك لا ينبغي له أن يكون فخره بالآباء والأجداد، وإنما ينبغي أن يكون فخره بالفضائل التي حصّلها، والأخلاق التي كمّلها، والآداب التي استفادها، والأدوات التي استجادها.
افتخر بعض الأغنياء عند بعض الحكماء بالآباء والأجداد، وبزخارف المال المستفاد، فقال له ذلك الحكيم: إن كان في هذه الأشباه فخر، فينبغي أن يكون الفخر لها لا لك، وإن كان آباؤك كما ذكرت أشرافا، فالفخر لهم لا لك.
قال العسجدي: كان بعض الحكماء إذا وصف عنده إنسان يقول: هو عصامي أم عظاميّ؟ فإن قيل له: هو عصاميّ نبل في عينه. وإن قيل: هو عظامي لم يكترث به وقوله عصاميّ إشارة إلى قول القائل:
نفس عصام سوّدت عصاما ... وعلّمته الكرّ والإقداما
_________
[١] الضّمد: الظّلم.
1 / 54