قالوا: ولا ينبغي للرجل الكامل إلا أن يكون في الغاية القصوى من طلب الرّئاسة أو في الغاية القصوى من تركها:
إذا ما لم تكن ملكا مطاعا ... فكن عبدا لخالقه مطيعا
وإن لم تملك الدنيا جميعا ... كما تهواه فأتركها جميعا
(وافر) ها هنا موضع حكاية تشتمل على أدوات الرئاسة: قيل: ورد أبو طالب الجارحيّ الكاتب- ولم يكن في عصره أكتب ولا أفضل منه- إلى (الرّيّ) [١] قاصدا حضرة ابن العميد [٢]، فلم يجد عنده قبولا، ولا رأى عنده ما يحب، ففارقه وقصد أذربيجان وسار إلى ملكها، وكان فاضلا لبيبا، اختبره وعرف فضله، فلما سأله المقام عنده وأفضل عليه، فأقام لديه على أفضل حال، فكتب إلى ابن العميد يوبّخه على جهل حقّه وتضييعه لمثله، فمن جملة الكتاب:
حدّثني: بأيّ شيء تحتجّ إذا قيل لك، لم سمّيت الرئيس؟ وإذا قيل لك ما الرّئاسة؟ أتدري ما الرّئاسة؟ الرّئاسة، أن يكون باب الرئيس مصونا في وقت الصّون ومفتوحا في وقت الفتح، وأن يكون مجلسه عامرا بأفاضل النّاس، وخيره واصلا إلى كلّ أحد، وإحسانه فائضا، ووجهه مبسوطا، وخادمه مؤدّبا، وحاجبه كريما طلقا وبوّابه لطيفا، ودرهمه مبذولا، وطعامه مأكولا، وجاهه معرّضا، وتذكرته مسوّدة بالصلات والجوائز والصدقات، وأنت!! فبابك لا يزال مقفلا، ومجلسك خاليا وخيرك مقنوطا منه، وإحسانك غير مرجوّ، وخادمك مذموما، وحاجبك هرّارا [٣] وبوّابك شرس الأخلاق، ودرهمك في العيّوق [٤]، وتذكرتك محشوّة بالقبض على فلان واستئصال [٥] فلان، ونفي فلان، فباللَّه عليك هل عندك
_________
[١] الرّيّ: مدينة كانت مزدهرة في العهد البويهي، خرّبها الفتح المغولي حوالي/ ٦١٧/ هـ.
[٢] ابن العميد: أبو الفضل محمّد ولي الوزارة لركن الدولة البويهي. أديب وشاعر. مات سجينا/ ٣٦٦/ هـ.
[٣] هرّارا: عبوسا في وجه القادمين، يهرّ كالكلب.
[٤] العيّوق: أقصى البعد. نجم كالثريّا.
[٥] استئصال فلان: قتله واغتياله.
1 / 53