وأما الدولتان البويهية [١] والسلجوقية [٢]: فلم تعرض مملكتهما مع قوة شوكة ملوكهما كعضد الدولة في بني بويه، وطغرلبك في بني سلجوق، ولم تعمّ طاعتهما ولم يشمل ملكهما. وأما الدولة الخوارزمشاهية: - مع أن جريدة السلطان جلال الدين اشتملت على أربعمائة ألف مقاتل- فلم يعرض ملكها أيضا، ولا تجاوزت النواحي القريبة منها، بل جلال الدين غزا أطراف الهند.
ومن الحقوق الواجبة للملك على الرعيّة التّعظيم والتّفخيم لشأنه في الباطن والظاهر وتعويد النفس ذلك ورياضتها بحيث تصير ملكة مستقرة، وتربية الأولاد على ذلك وتأديبهم به ليتربى هذا المعنى معهم.
وها هنا موضع حكاية: وهي أنّ سلطان هذا العصر- ثبّت الله قواعد دولته وبسط في الخافقين ظلّ معدلته- لما ورد إلى بغداد في سنة ثمان وتسعين وستمائة دخل المستنصرية [٣] لمشاهدتها والتفرج فيها. وكانت قبل وروده إليها قد زينت وجلس المدرسون على سددهم، والفقهاء بين أيديهم، في أيديهم أجزاء القرآن وهم يقرءون منها، فاتفق أن الرّكاب السلطاني بدأ بالاجتياز على طائفة الشافعيّة، ومدرّسها الشيخ جمال الدين عبد الله بن العاقوليّ، وهو رئيس الشافعيّة ببغداد، فلما نظروا إليه قاموا قياما فقال للمدرّس المذكور: كيف جاز أن تقوموا لي وتتركوا كلام الله؟ فأجاب المدرّس بجواب لم يقع بموقع الاستصواب في الحضرة السّلطانية- أعلى الله في الدنيا كلمتها وفي الآخرة درجتها- ثم بعد ذلك حكي لي المدرس المذكور صورة السؤال والجواب فأما السؤال: فهو ما حكيته، وأمّا جوابه فلم
_________
[١] الدولة البويهية: أسسها أبو شجاع بويه، وأولاده الثلاثة، عماد الدولة وركن الدولة ومعزّ الدولة، حكمت في أصفهان وشيراز وكرمان وبغداد. من أقوى ملوكها عضد الدولة. قضى عليها طغرل بك السلجوقي/ ٤٤٧/ هـ.
[٢] الدولة السلجوقية: أحلّت نفوذ السلاجقة في بغداد، وهم من أسرة تركمانية جدّها سلجوق، قضت على نفوذ البويهيين وقضى عليها جنكيزخان وخلفاؤه ومنهم هولاكو.
[٣] المستنصرية: ضاحية معمورة من ضواحي بغداد، شيّدها الخليفة المستنصر/ ٦٢٣- ٦٤٠/ هـ. وفيها قصور وقنطرة وخان حربي لارتباط الخيل والفرسان. وقد سبق ذكرها.
1 / 38