خذ عقلنا من عقدنا فيما ترى ... من خسّة ورقاعة وتهوّر
تكريت [١] تعجزنا ونحن بعقلنا ... نمضي لنأخذ ترمذا [٢] من سنجر [٣]
(كامل) وكانوا- أعنى المتأخّرين من خلفاء بني العبّاس- قد اقتصروا في آخر الأمر على مملكة العراق فحسب، حتى إن «إربل [٤]، لم تكن في حكمهم.
وما زالت خارجة عن حكمهم إلى أن مات مظفر الدين بن زين الدين عليّ كوجك صاحب إربل وذلك في أيام المستنصر [٥]، فعيّن عليّ شرف الدين إقبال الشّرابي، وكان مقدّم الجيوش ليتوجه إلى إربل ليفتحها، وجهزه بالعساكر فتوجّه الشرابي اليها وأقام عليها أياما محاصرا ثم فتحها فضربت البشائر ببغداد يوم وصول الطائر بفتحها. فانظر الى دولة تضرب البشائر على أبواب صاحبها، ويزيّن البلد لأجل فتح قلعة إربل، التي هي اليوم في هذه الدولة من أحقر الأعمار وأصغرها وأهونها بلى قد كان ملوك الأطراف، مثل ملوك الشام ومصر وصاحب الموصل، يحملون إليهم في كل سنة شيئا على سبيل الهديّة والمصانعة ويطلبون منهم تقليدا بولاية بلادهم، بحيث يتسلّطون بذلك على رعيتهم، ويوجبون عليهم طاعتهم بذلك السبب ولعل الخلفاء قد كانوا يعوّضون ملوك الأطراف عن هداياهم بما يناسبها، أو يفضل عنها كلّ ذلك لحفظ الناموس الظاهر، وليكون لهم في البلاد والأطراف السكّة والخطبة، حتى صار يضرب مثلا لمن له ظاهر الأمر وليس له من باطنه شيء أن يقال قنع فلان من الأمر الفلاني بالسكّة والخطبة، يعنى قنع منه بالاسم دون الحقيقة فهذه جمل من أحوال الدولة العباسية.
_________
[١] تكريت: مدينة على نهر دجلة شمالي سامرّاء، وكنّى بها الشاعر عن قرب المسافة.
[٢] ترمذ: مدينة في أوزبكستان على حدود أفغانستان، كنّى بها عن بعد المسافة عن بغداد.
[٣] سنجر: آخر سلاطين السلاجقة الكبار. كانت نهايته على أيدي قبائل الغزّ، وبذا انحطت السلطنة السلجوقية. وكنى به الشاعر عن الصولة والسلطان.
[٤] إربل: مدينة تاريخية في شمال العراق، تعرف اليوم بأربيل.
[٥] المستنصر، بويع بالخلافة ٦٢٣ هـ ومات/ ٦٤٠/ هـ وهو الخليفة قبل الأخير من خلفاء الدولة العباسية. وكان كريما متلافا.
1 / 37