أضبطه، وقلت له: قد كان يمكن أن يقال في جواب هذا السؤال: إنّ تركنا للمصحف إن كان في أيدينا، واشتغالنا بغيره لم يحرّم علينا في شريعتنا، ولا جعل علينا في ذلك حرج، ثم إنّ هذا المصحف الّذي تركناه وقمنا بين يدي السّلطان، قد أمرنا فيه بتعظيم سلاطيننا.
ومن الحقوق الواجبة للملك على رعيته: النصيحة، فمما جاء في الحديث- صلوات الله وسلامه على من نسب إليه- قوله ﷺ:
«الدين النصيحة»، قيل: لمن يا رسول الله؟ قال: «للَّه ولرسوله ولجماعة المسلمين» . ومنها ترك اغتياب الملك في ظهر الغيب، قال ﷺ: «لا تسبّوا الولاة، فإنّهم إن أحسنوا، كان لهم الأجر وعليكم الشكر، وإن أساءوا فعليهم الوزر وعليكم الصبر، وإنّما هم نقمة ينتقم الله بها ممّن يشاء، فلا تستقبلوا نقمة الله بالحميّة والغضب، واستقبلوها بالاستكانة والتضرّع» . وأما الحقوق الواجبة للرعيّة على الملك فمنها: حماية البيضة [١]، وسدّ الثّغور وتحصين الأطراف، وأمن السّوابل، وقمع الدعّار [٢]، فهذه حقوق تلزم السلطان تجري مجرى الفروض الواجبة، وبهذه الأمور تجب طاعته على رعيّته وبنحو من هذا احتجّ الخوارج على أمير المؤمنين عليّ- ﵇ عقيب انقضاء حرب صفّين قالوا له: أنت فرّطت في حفظ هذا الثغر- يعني ثغر الشأم- بتحكيمك الحكمين، فأنت مخطئ مفرّط، فليس لك علينا طاعة: فإن اعترفت بهذا الخطأ واستغفرت رجعنا إلى طاعتك، وقاتلنا معك العدوّ. فعرّفهم- ﵇ أنه غلب رأيه في قضية التحكيم وأن التحكيم لم يكن رأيه فأصرّوا على قولهم ولم يقبلوا ونابذوه وقاتلوه، حتى كانت الوقعة المشهورة بالنّهروان.
_________
[١] البيضة: في الأصل، الخوذة. وحماية البيضة: كناية عن حماية شرف الأمّة وعزّتها.
[٢] الدعار: مرتكبو الفواحش، والدّعارة.
1 / 39