وخرج عليه أخو النّفس الزكيّة. وهو إبراهيم بن عبد الله بالبصرة فقلق المنصور لذلك غاية القلق وقام وقعد حتّى توجّه إليه عيسى بن موسى فقتله بقرية قريبة من الكوفة يقال لها باخمرى [١]﵁ ومن هاهنا حقد المنصور على العلويّين وفعل بهم تلك الأفاعيل. ولعل طرفا منها يبلغك في هذا الكتاب إذا انتهيت من الكلام إلى الدولة العبّاسيّة. وكذلك جرى أمر الخوارج مع خليفة خليفة، حتى كان الرعيّة لا ينامون في بيوتهم آمنين ولا يزالون يتوقّعون الفتنة والحرب، كما كان حال أهل قزوين في مجاورة قلاع الملاحدة.
حدّثني الملك إمام الدين يحيى بن الافتخاريّ- ﵁ قال:
أذكر ونحن بقزوين إذا جاء الليل جعلنا جميع مالنا من أثاث وقماش ورحل في سراديب لنا في دورنا غامضة خفية، ولا نترك على وجه الأرض شيئا، خوفا من كبسات الملاحدة. فإذا أصبحنا أخرجنا أقمشتنا، فإذا جاء الليل فعلنا كذلك. ولأجل ذلك كثر حمل القزاونة للسكاكين وكثر حملهم للسلاح. وما زال الملاحدة على ذلك حتى كان من أمر شمس الدين قاضي قزوين، وتوجّهه إلى قان وإحضار العسكر وتخريب قلاع الملاحدة ما كان. وليس هذا الموضع موضع استيفاء الكلام في هذا، فإنه اعترض وليس بمقصود.
وكما جرى للموفّق بن المتوكّل في مرابطة الزّنج أربع عشرة سنة [٢]:
ما زال يصابرهم من البصرة وواسط طول هذه المدة حتّى أفناهم، وكان لطول المدة قد ابتنى الزّنج هناك مدائن، ثم خربت وآثارها الآن باقية.
وأما أواخرهم: - أعني أواخر خلفاء بني العبّاسي- فضعفوا غاية الضعف حتى عصت تكريت عليهم، وفي ذلك يقول شاعرهم:
في العسكر المنصور نحن عصابة ... من دولة أخسس بنا من معشر
_________
[١] وكان مقتل إبراهيم بن عبد الله وهو أخو النفس الزكيّة، في (باخمرى) بالقرب من الكوفة عام ١٤٥ هـ، أيضا.
[٢] وقعت ثورة الزنج في عهد المعتمد واستمرت في البصرة وما حولها مدة أربع عشرة سنة/ ٢٥٦- ٢٧٠/ هـ إلى أن أخضعها الموفق أخو المعتمد.
1 / 36