ذلك كان حلمه؛ أن يعيش الناس أجمعون في الحقيقة.
ورجعنا من رحلاتنا الموفقة، فوجدنا ميكيتاتون طريحة الفراش تطالعنا بوجه آخر لم نره ولم نعرفه. وجثا إخناتون إلى جانب فراشها وراح يصلي، وانتحيت بالطبيب بنتو من أقصى الحجرة، وقلت له: البنت تموت يا بنتو.
فأجابني بأسى: قد بذلت ما في وسعي!
فقلت في حنق وقهر: إنهم يريدون بسحرهم أن يحرموه من أحب الكائنات إلى قلبه ...
وسمعته يهمس بحرارة مخاطبا إلهه: لا تفجعني فيها يا إلهي، إني أحبها ولا أطيق الحياة بدونها ... إنها أنضج من عمرها، وستكرس حياتها لخدمتك ...
لكن روحها مضت تتسرب رويدا من قبضة حبنا حتى تركتنا متسامية للنجوم. وانكببنا عليها نبكي ونولول مستسلمين لطغيان الحزن. وجعل يخاطب إلهه: لماذا يا إلهي؟ لماذا تمتحن إيماني بشدة لا داعي لها؟ لماذا تصارحني بقسوة بأنني ما زلت بعيدا عن معرفتك، لماذا تعاملني بعنف وأنت الرحمة، وبجفاء وأنت الحبيب، وبغضب وأنا المطيع ، وبغموض وأنت النور، لماذا إذن كسوتها بهذا الجمال ومنحتها هذا الذكاء؟ ولماذا جعلتنا نحبها كل الحب ونعدها لخدمتك في معبدك؟
وانتشلتنا من حزننا أحزان جديدة شملت داخل البلاد وخارجها مما علمتها بالتفصيل كما ذكرت لي. ولعل أتعس الناس هم الذين يتداوون من حزنهم بحزن أشد. وقابلنا الوزير ناخت، وعرض علينا الصورة بحذافيرها. ولا أنكر أن عزيمتي اجتاحتها الكآبة وخامرني القلق، أما مولاي فقد صمد أمام العاصفة كأنه الهرم الأكبر، وقال بثقة لا حد لها: لن يخذلني إلهي، ولن أحيد عن الحب قيد ذرة رمل.
وعدتني قوته الخارقة فانتعشت روحي قاهرة جميع الهواجس والوساوس، وندمت على ضعفي العابر. ولما ساءت الحال أكثر جاءتنا الملكة الوالدة تيى، واجتمعت بنا بعد أن استقبلت رجالنا في قصرها بجنوب أخت آتون، وبدأت حديثها قائلة: السماء مليئة بالغيوم.
ونقلت بيننا عينيها اللتين أحاط بهما الكبر وقالت: أخذت العهد من رجالك بالوفاء لك في جميع الظروف والأحوال.
فسألتها: ترى هل داخلك الشك فيهم؟
Page inconnue