(قال الفقيه) رحمه الله: ينبغي للمؤمن أن يكون غيورا فلا يرضى بالفاحشة إذا علم بها من رجل أو امرأة فيمنعه عن الفاحشة إن استطاع منعه بيده، فإن لم يستطع فلينكره بلسانه، فإن لم يستطع فلينكره بقلبه. وروى زيد بن أسلم رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((الغيرة من الإيمان، والمذاء من النفاق)) فالمذاء أن يقود الرجل بالفاحشة في أهله ويرضى بها. وقيل المذاء أن يجمع بين رجال أو نساء ثم يخليهم ليماذي بعضهم بعضا. وعن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه أنه قال: أقبح اللؤم بالرجل أن لا يكون غيورا، ألا يستحي أحدكم أن تخرج أمه أو امرأته تزاحم الناس في السوق والمجالس. وروى المغيرة بن شعبة أن سعد بن عبادة قال ((لو رأيت رجلا مع امرأتي لضربته بالسيف غير مصفح، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أتعجبون من غيرة سعد والله لأنا أغير منه والله تعالى أغير مني، ومن أجل ذلك حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، وما أحد أحب إليه العذر من الله سبحانه وتعالى ومن أجل ذلك بعث الله المنذرين والمبشرين، وما أحد أحب إليه المدحة من الله تعالى ومن أجل ذلك وعد الجنة، وقال علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه: بلغني أن نساءكم يخرجن إلى السوق يدافعن العلوج، قبح الله رجلا مؤمنا لا يكون غيورا.
(قال الفقيه) رحمه الله تعالى: ما أقبح إلى الله وإلى رسوله من الديوثين لما روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال ((لعن الله الديوث والديوثة، فالديوث أن يرضى الرجل بفاحشة امرأته وكذلك المرأة بفاحشة الزوج)).
الباب التاسع والسبعون: فيما جاء في السخاء والبخل
(قال الفقيه) رحمه الله: روى عروة عن عائشة رضي الله تعالى عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ((الجنة دار الأسخياء والشاب الفاسق السخي أحب إلى الله من الشيخ العابد البخيل)) وروى جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((ليس منا من وسع الله عليه فلم يوسع على نفسه وعياله)) وقال الحسن: إن العبد يأخذ من الله أدبا حسنا إن وسع الله عليه وسع وإن أمسك عليه أمسك. وروى يوسف بن خالد السمني قال: أهدي إلى أبي حنيفة من الحجاج قريب من ألف زوج نعل ففرقها على إخوانه، فرأيته بعد ذلك بيوم أو يومين يشتري نعلا لابنه، فقلت له كيف وقد أهدي إليك قريب من ألف زوج نعل؟ فقال إن مذهبي في الهدايا تفريقها بالغة ما بلغت والمكافأة بمثلها أو بضعفها بالغة ما بلغت، وتفريق الهدية على إخواني لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إذا أهدي للرجل فجلساؤه شركاؤه)) وإخواني جلسائي فلا أنفرد دونهم بل أرى أن أجعل نصيبي لهم فأرى قبول الهدية لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل الهدية ويجيب الدعوة فأرى المكافأة بأحسن منها لقول الله تعالى {وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها} ولقوله تعالى {ولا تنسوا الفضل بينكم}. وروي عن عائشة رضي الله تعالى عنها ((أن امرأة أهدت إليها هدية فلم تقبل هديتها، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : هلا قبلت هديتها قالت: لأني علمت أنها أحوج إليها مني، فقال هلا قبلتها وكافأتها بأحسن منها)) وروى زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار ((أن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل إلى عمر بعطاء فرده فقال له النبي صلى الله عليه وسلم لم رددته؟ فقال يا رسول الله أليس قد أخبرتنا أن لا خير لأحد منا أن يأخذ من أحد شيئا؟ قال إنما ذلك عن مسألة وأما إذا كان من غير مسألة فإنما هو رزق رزقه الله إياه، وقال أبو هريرة: أني لا أسأل أحدا شيئا ولا أعطاني أحد شيئا بغير مسألة إلا قبلت منه. وسئل سفيان الثوري عن المواساة فقال ذلك طريق نبت فيه العوسج والشوك.
Page 362