(قال الفقيه) رحمه الله: النوح حرام ولا بأس بالبكاء والصبر أفضل لأن الله تعالى قال {إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب}. وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ((النائحة ومن حولها من مستمعيها فعليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين)) وقيل لما مات حسن بن الحسن اعتكفت امرأته فاطمة بنت الحسين على قبره سنة، فلما كان رأس الحول رفعوا الفسطاط فسمعوا صوتا من جانب: هل وجدوا ما فقدوا؟ وسمعوا من جانب آخر: بل أيسوا فانقلبوا. وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم ((أنه لما مات ابنه إبراهيم دمعت عيناه فقال له عبد الرحمن بن عوف يا رسول الله أليس قد نهيتنا عن البكاء؟ فقال صلى الله عليه وسلم إنما نهيتكم عن صوتين أحمقين فاجرين: صوت الغناء فإنه لعب ولهو ومزامير الشيطان، وعن خدش الوجوه وشق الجيوب ورنة الشيطان، ولكن هذا رحمة جعلها الله في قلوب الرحماء، ثم قال: القلب يحزن والعين تدمع ولا نقول ما يسخط الرب)) وروى وهب بن كيسان عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه ((أن عمر رضي الله تعالى عنه أبصر امرأة تبكي على ميت فنهاها فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ((دعها يا أبا حفص فإن العين باكية والنفس مصابة والعهد حديث)) وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم ((أنه مر ببني عبد الأشهل وقت انصرافه وهم يندبون قتلاهم بعد يوم أحد فقال صلى الله عليه وسلم كل له باك، لكن حمزة لا بواكي له، فلما سمعوا بذلك جئن إلى باب النبي صلى الله عليه وسلم وهن يبكين على حمزة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يبكي في البيت حتى سمع نشيجه)) يعني بكاؤه بالرفق.
الباب السابع والسبعون: في إكرام أهل الفضل والشرف
(قال الفقيه) رحمه الله تعالى: يستحب للرجل أن يكرم أهل الفضل من غير إفراط ولا يجوز أن يكرم أحدا لأجل دنياه لينال من دنياه شيئا لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من تواضع لغني لأجل غناه ذهب ثلثا دينه ولكن يكرم أهل الفضل لفضلهم وشرفهم)) وروى هشام بن حسان عن الحسن البصري ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان جالسا ومعه أصحابه وجاء علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه ولم يكن له مجلس فرآه أبو بكر رضي الله تعالى عنه فتزحزح له من مكانه ثم قال: ههنا يا أبا الحسن، فسر النبي صلى الله عليه وسلم بما صنع أبو بكر رضي الله تعالى عنه فقال: أهل الفضل أولى بأهل الفضل، ولا يعرف فضل أهل الفضل إلا أهل الفضل)) وقال سفيان بن عيينة: من تهاون بالإخوان ذهبت مروءته ومن تهاون بالسلطان ذهبت دنياه، ومن تهاون بالصالحين ذهبت آخرته. وروت عمرة عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ((أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم إلا حدا من حدود الله تعالى)) وروي أن سائلا مر بعائشة رضي الله تعالى عنها فأمرت له بكسرة ومر بها رجل ذو هيئة فاتخذته فأمرت له بالمائدة، فقيل لها في ذلك فقالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا أن ننزل الناس منازلهم. وعن طارق بن عبد الرحمن قال: كنت مع الشعبي، فأتاه بلال بن جرير فطرح له وسادة فقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه)) ولا يستحب في الإكرام وفي الحب الإفراط لأن الإفراط في كل شيء يخاف منه الآفة. وقال علي كرم الله وجهه: أحبب حبيبك هونا ما عسى أن يكون بغيضك يوما ما، وابغض بغيضك هونا ما عسى أن يكون حبيبك يوما ما)) وروي هذا أيضا مرفوعا. ((وقد أفرطت النصارى في حب عيسى عليه السلام حتى اتخذوه إلها، وأفرطت اليهود في حب عزير حتى اتخذوه إلها، وأفرطت الروافض في حب علي رضي الله تعالى عنه حتى أبغضوا غيره. فينبغي للعاقل أن يحب أهل الفضل ويعرف حقهم من غير إفراط ولا تعد. وقال بعضهم: لا خير في الإفراط والتفريط كلاهما عندي من التخليط وبالله التوفيق .
الباب الثامن والسبعون: في الغيرة
Page 361