(قال الفقيه) رحمه الله: لا بأس بالعزل إذا كان بإذن المرأة. والعزل أن يطأ امرأته فيعزل عنها قبل أن يقع الماء فيها مخافة الحبل وكان اليهود يكرهون ذلك فيقولون هي الموءودة الصغرى فنزلت هذه الآية {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم} وعن ابن عباس أنه سئل عن العزل فقال: إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فيه شيئا فهو كما قال، وإلا فأنا أقول كما قال الله تعالى {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم} فمن شاء عزل ومن شاء لم يعزل. وروي عن عبد الله بن مسعود أنه سئل عن العزل فقال: لو أخذ الله ميثاق نسمة في صلب رجل فصبها علي صبا أخرج الله منه النسمة التي أخذ ميثاقها، إن شئت فاعزل وإن شئت فأولج. وروى أبو سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنه سئل عن العزل فذكر نحو هذا. وروي عن ابن عمر أنه سئل عن هذه الآية {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم} قال: إن شئتم عزلا وإن شئتم غير عزل. وروى عطاء عن جابر قال: كنا نعزل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم والقرآن ينزل وما منع من العزل.
الباب الخامس والسبعون: في القول في عذاب الميت ببكاء أهله
(قال الفقيه) رحمه الله: تكلم الناس في عذاب الميت ببكاء أهله. قال بعضهم: إن الميت يعذب ببكاء أهله عليه ويحتجون بظاهر الخبر، وهو ما روي عن ابن عمر وابن عباس رضي الله تعالى عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ((إن الميت ليعذب ببكاء أهله)) وقال عامة أهل العلم: لا يعذب الميت ببكاء أهله عليه لأن الله تعالى قال {ولا تزر وازرة وزر أخرى}. وروى القاسم بن محمد أن عائشة رضي الله تعالى عنها قيل لها: ((إن عبد الله بن عمر يروي عن النبي صلى الله عليه وسلم ((إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه)) وروي عن ابن عباس هكذا فقالت: إنكم لتحدثون عن ابن عمر وابن عباس وهما غير كاذبين ولا مكذبين، ولكن السمع يخطئ)) وتأويل الحديث إن العادة قد جرت في ذلك الزمان أن الإنسان إذا مات كان يأمر أهله بالنواح عليه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم ((إن الميت ليعذب ببكاء أهله)) لأنه كان يأمر أهله بذلك. وتأويل آخر ((أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بقبر يهودي وأهله يبكون عليه فقال صلى الله عليه وسلم إنهم يبكون عليه وهو يعذب في قبره)) فظن الراوي أنه يعذب ببكائهم عليه. وهذا كما روي عن عروة عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها لما ذكر عندها حديث ابن عمر فقالت ذهل أبو عبد الرحمن: إنما قال ((إن أهل الميت ليبكون عليه وإنه يعذب بجرمه)).
الباب السادس والسبعون: في البكاء على الميت
Page 360