إنك تعصى لتنال الغنى ... وليس تعصي الله كي تفتقر (قال الفقيه) رحمه الله: الفقر أفضل من الغنى ولكن لا عيب في الغنى، ألا ترى إلى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا أغنياء ولم يأمرهم بتركه، ولو كان مذموما لنهاهم عن ذلك ولأمرهم بترك المال، فلما لم يأمرهم بتركه ثبت أنه لا عيب في الغنى. وإنما العيب على صاحبه إذا فعل في غناه بخلاف ما أمر الله تعالى. ويقال: إنما الاختلاف في الزمن الأول أن الغني أفضل من الفقير لأن غالب أموالهم كانت من حلال فإذا أخذوا من حله ووضعوا في حقه فقال بعضهم هذا أفضل. وأما في هذا اليوم لما صار غالب أموالهم الحرام والشبهة فلا معنى لهذا الاختلاف فالفقر أفضل بالاتفاق.
الباب الثالث والسبعون: في الاستدانة
(قال الفقيه) رحمه الله: لا بأس بأن يستدين الرجل إذا كانت له حاجة لا بد منها وهو يريد قضاءها، ولو أنه استدان دينا وقصد أن لا يقضيه فهو آكل السحت. وروي عن عائشة رضي الله تعالى عنها ((أنها كانت تستدين، فقيل لها مالك وللدين؟ فقالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من كان عليه دين ينوي قضاءه كان معه من الله تعالى عون، فأنا ألتمس من الله تعالى عونا)) وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ((تعرضوا للرزق فإن غلب أحدكم فليستدن على الله وعلى رسوله)) وروي عن محمد بن علي أنه كان يستدين، فقيل له لم تستدين ولك من المال كذا وكذا؟ فقال لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله مع المديون حتى يقضي دينه، فأحب أن يكون الله معي)) وأما إذا استدان ونيته أن لا يؤدي فهو آكل السحت لما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال ((من تزوج امرأة ومن نيته أن يذهب بصداقها جاء يوم القيامة زاينا، ومن اشترى شيئا ومن نيته أن يذهب بثمنه جاء يوم القيامة سارقا)) وروى أبو قتادة عن النبي صلى الله عليه وسلم ((أنه قيل له يا رسول الله أرأيت من قتل في سبيل الله هل تكفر عنه خطاياه؟ قال نعم إذا كان محتسبا صابرا مقبلا غير مدبر إلا الدين فإنه مأخوذ به)) وقال لقمان الحكيم: حملت الحديد والجندل فلم أحمل شيئا أثقل من الدين.
الباب الرابع والسبعون: في العزل
Page 359