الباب الخمسون: في الآداب
قال عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه: تأدبوا ثم تعلموا. وقال أبو عبد الله البلخي: آداب النفس أكثر من آداب العلم، وآداب العلم أكبر من العلم. وقال عبد الله بن المبارك: إذا وصف لي رجل له علم الأولين والآخرين وليس له آداب النفس لا أتأسف على فوت لقائه، وإذا سمعت برجل له أدب النفس أتمنى لقاءه وأتأسف على فوات لقائه. ويقال مثل الإسلام مثل بلدة لها خمسة من الحصون: الأول من ذهب، والثاني من فضة، والثالث من حديد، والرابع من آجر، والخامس من لبن. فما دام أهل الحصن يتعاهدون الحصن الذي من اللبن لا يطمع فيهم العدو، وإذا تركوا التعاهد حتى خرب الحصن الذي من اللبن طمع العدو في الثاني ثم في الثلاث حتى خربت الحصون كلها، فكذلك الإسلام في خمسة من الحصون: أولها اليقين، ثم الإخلاص، ثم أداء الفرائض، ثم إتمام السنن، ثم حفظ الآداب. فما دام العبد يحفظ الآداب ويتعاهدها فإن الشيطان لا يطمع فيه، وإذا ترك الآداب طمع الشيطان في السنن، ثم في الفرائض، ثم في الإخلاص، ثم في اليقين. فينبغي للإنسان أن يحفظ الآداب في جميع أموره: من أمر الوضوء والصلاة والشرائع كلها، والبيع والشراء والصحبة وغير ذلك، فقد بينا في الباب الذي يليه من الآداب ما لا بد منها فأول ما نبدأ به أمور الوضوء والصلاة.
الباب الحادي والخمسون: في آداب الوضوء والصلاة
(قال الفقيه) أبو الليث رحمه الله: إذا أراد الرجل أن يتوضأ فإذا دخل الخلاء ينبغي أن يبدأ برجله اليسرى ويقول بسم الله ثم يقول اللهم إني أعوذ بك من الرجس النجس الخبيث المخبث من الشيطان الرجيم، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن هذه الحشوش محضورة)) يعني يحضرها الشيطان ((فإذا دخل أحدكم فيها فليتعوذ بالله من الشيطان الرجيم)) ويكره الاستنجاء باليمين لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك وجعل اليمين للطهارات واليسار للنجاسات. وروي عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها قالت: كانت يد رسول الله صلى الله عليه وسلم اليسرى لخلائه وما كان من أذى، وكانت يده اليمنى لطعامه. وعن حفصة رضي الله تعالى عنها قالت: كان يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم لطعامه وشرابه وطهوره وثيابه وصلاته، وكانت شماله لما سوى ذلك وعن إبراهيم النخعي أنه قال: كان يقال يمين الرجل لطعامه وشرابه وشماله لاستنجائه ومخاطه.
Page 341