روي عن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ((من عامل الناس فلم يظلمهم، وحدثهم فلم يكذبهم، ووعدهم فلم يخلفهم، فهو ممن كملت مروءته وظهرت عدالته، ووجبت أخوته، وحرمت غيبته)) وقال ابن زياد لرجل من الدهاقين ما المروءة فيكم؟ قال أربع خصال. أولها: أن يعتزل الرجل الذنب فإنه إذا كان مذنبا كان ذليلا ولم يكن له مروءة. والثانية: أن يصلح ماله ولا يفسده فإن من أفسد ماله واحتاج إلى مال غيره فلا مروءة له، والثالثة: أن يقوم لأهله فيما يحتاجون إليه فإن من احتاج أهله إلى الناس فلا مروءة له، والرابعة: أن ينظر إلى ما يوافقه من الطعام والشراب فيلزمه ولا يتناول ما لا يوافقه فإن ذلك من كمال المروءة، وروي عن قيس بن ثابت بن ساعدة أنه كان يقدم على قيصر فيكرمه فقال له قيصر: ما أفضل العقل؟ قال معرفة المرء نفسه: قال ما أفضل العلم؟ قال وقوف المرء عند جهله، قال فما أفضل المروءة؟ قال استبقاء الرجل ماء وجهه. قال فما أفضل المال؟ قال ما قضي منه الحق، وقال ربيعة الرأي: المروءة ستة: ثلاث في الحضر، وثلاث في السفر. فأما التي في الحضر: فتلاوة القرآن، وعمارة مساجد الله، واتخاذ الإخوان في الله. وأما التي في السفر: فبذل الزاد، وقلة الخلاف لأصحابه، والمزاح في غير معاصي الله. وقال بعض الحكماء. أفضل المروءة أن يكون صادقا في قوله، وافيا في عهده، باذلا لنفعه. وروي عن الحسن البصري أن حجاما قص شاربه فأعطاه درهما فسئل عن ذلك فقال: لا تضيقوا فيضيق عليكم. وكان الحسن إذا سمع رجلا يتكلم بالدانق يقول: لعن الله الدانق ومن تكلم لدوانق فلا مروءة له، ولا دين لمن لا مروءة له. وقال محمد بن الحسن: ثلاثة أشياء من الدناءة: مشارطة أجر الحجام، والنظر في مرآة الحجامين، واستقراض الخبز موازنة. ويقال الجلوس في الطرقات وفي حوانيت الناس للحديث ليس من المروءة. وقيل لبعض الحكماء: ما المروءة. قال باب مفتوح، وطعام مبذول، وإزار مشدود: يعني بالقيام في حوائج الناس. وقال الحسن البصري: من مروءة الرجل أربعة: صدق لسانه، واحتماله عثرات إخوانه، وبذل المعروف لأهل زمانه، وكف الأذى عن أباعده وجيرانه. وروي عن عمر رضي الله تعالى عنه أنه قال: أنا أعلم متى تهلك العرب فقيل له متى تهلك يا أمير المؤمنين؟ قال إذا ساسهم من ليس له تقى الإسلام، ولا كرم الجاهلية. قال الراوي: صدق أمير المؤمنين رضي الله تعالى عنه فما دام ساسهم الذين كان لهم تقى الإسلام مثل أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضوان الله عليهم أجمعين لم يهلكوا، ومن له كرم الجاهلية مثل معاوية لم يهلكوا، فلما ساسهم مثل يزيد لم يكن له تقى الإسلام ولا كرم الجاهلية هلكوا. وقال بعض الحكماء: تمام المروءة في شيئين: العفة عما في أيدي الناس، والتجاوز عما يكون منهم. وقال علي لابنه الحسن رضي الله تعالى عنهما: ما المروءة؟ قال العفاف، وملك النفس، والبذل في العسر واليسر. قال: فما اللؤم؟ قال: إحراز أمر نفسه، وبذل عشيرته، وأن يرى ما في يده شرفا وما أنفقه تلفا. ويقال: جماع المروءة في قوله تعالى {إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى} الآية، وقال عبد الواحد بن زيد: جالسوا أهل الدين فإن لم تقدروا عليهم فجالسوا أهل المروءة من أهل الدنيا فإنهم لا يرفثون في مجالسهم. يعني لا يتكلمون بكلام الفحش. وقال الأحنف بن قيس: لا راحة لحاسد، ولا مروءة لكاذب. ولا خلة لبخيل، ولا وفاء لمطول، ولا سؤدد لسيء الخلق، ولا إخاء لملول.
الباب التاسع والأربعون: فيما قيل في العقل
(قال الفقيه) أبو الليث رحمه الله تعالى: روي عن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه أنه قال: العلم خليل الرجل، والعقل دليله، والحلم وزيره، والعمل قائده، والصبر أمير جنوده، والرفق والده، والبر أخوه، ثم قال لابنه الحسن: يا بني لا تستخفن برجل تراه أبدا فإن كان أكبر منك فاحسب أنه أبوك، وإن كان مثلك فاحسب أنه أخوك وإن كان أصغر منك فاحسب أنه ابنك. وقيل لبعض الحكماء: من العاقل؟ قال الذي لا يصنع في السر شيئا يستحيي منه في العلانية.
(قال الفقيه) رحمه الله: هذا موافق لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ((إن آخر ما بقي من كلام النبوة الأولى إذا لم تستح فاصنع ما شئت)) يعني إذا كان عمل لا يستحيا منه فاصنع ذلك العمل ما شئت. وروي عن لقمان الحكيم أنه قال لابنه: يا بني إن حسن طلب الحاجة نصف العلم، والتودد إلى الناس نصف العقل، والتدبير في المعيشة نصف الكسب يا بني أرسل حكيما ولا توصه، فإن لم يكن لك رسول حكيم فكن رسول نفسك. ويقال ثمانية إن أهينوا فلا يلومون إلا أنفسهم الذاهب إلى مائدة لم يدع إليها. والمآمر على رب البيت، وطالب الخير من أعدائه، وطالب الفضل من اللئام، والداخل بين اثنين في حديثهما من غير أن يدخلاه فيه، والمستخف بالسلطان، والجالس مجلسا ليس له بأهل، والمقبل بحديثه على من لا يسمع منه. وروى سعيد بن أبي إسحق عن الحارث بن علي رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ((ينبغي للعاقل أن لا يكون شاخصا إلا في ثلاثة: مرمة لمعاش أو خلوة لمعاد. أو لذة في غير محرم، وينبغي للعاقل أن يكون له في النهار أربع ساعات: ساعة يناجي ربه فيها وساعة يحاسب فيها نفسه وساعة يأتي فيها على أهل العلم والدين الذين يبصرونه أمر دينه وينصحونه وساعة في شأنه يخلو بين نفسه وبين لذاتها فيما يحل ويجمل، وينبغي للعاقل أن ينظر في شأنه ويعرف أهل زمانه ويحفظ خطر لسانه)).
Page 340