الألهوب والدرة: شدة الجرى: والأخرج، الظليم. والمهذب: السريع العدو. أراد امرؤ القيس أن يصف فرسه بالسرعة، فذكر أنه يضربه بالسوط فيلهب، ويركضه بساقه فيدر جريه، ويزجره فيقع الزجر منه موقعه من الظليم فيعدو عدوه. قالوا: ولو أستعين بهذه الأشياء على أخس حمار وأضعفه فعدا لم يستحق أن ينعت بالسرعة. ويقال: إن أول من عاب عليه هذا البيت امرأته أم جندب لما احتكم إليها هو وعلقمة ابن عبدة الفحل في أيهما أشعر؟ فقالت: سمعتك زجرت وضربت وحركت، وفرس ابن عبدة أجود من فرسك حيث يقول فيه:
فأقبل يهوى ثانيًا من عنانه ... يمر كمر الرائح المتحلب
فغلبت علقمة عليه، ولله در ابن المعتز فإنه ذكر السياط ولكنه احترس احتراسًا حسنًا فقال:
صببنا عليها ظالمين سياطنا ... فطارت بها أيد سراع وأرجل
فقوله: ظالمين من أحسن ما يحترس به هنا.
(ومما) أخذ على امرئ القيس قوله في وصف فرس أيضًا:
لها متنتان خظاتا كما ... أكب على ساعديه النمر
ومعنى الخظاة: المكتنزة، أراد لها متنان كثيرا اللحم كساعدي النمر البارك في الغلظ، وليس هذا مما تمدح به الجياد، وإنما المستحب في المتن والوجه التعريق كما قال طفيل:
معرفة الألحى تلوح متونها
وفي اللسان. «ويستحب من الفرس أن يكون معروق الخدين قال:
قد أشهد الغارة الشعواء تحملني ... جرداء معروقة اللحيين سرحوب
ويروى: معرقة الجنبين، وإذا عرى لحياها من اللحم فهو من علامات عتقها، وفرس معرق: إذا كان مضمرًا، يقال: عرق فرسك تعريقًا، أي أجره حتى يعرق ويضمر ويذهب رهل لحمه» انتهى.
(وتبعه) أبو ذؤيب الهذلي فقال في فرس:
قصر الصبوح لها فشرج لحمها ... بالني فهي تتوخ فبها الإصبع
تأبى بدرتها إذا ما استكرهت ... إلا الحميم فإنه يتبضع
أي قصر صاحبها عليها اللبن فسمنت حتى شرج لحمها بالنى، أي خلط بالشحم فلو غمزته بإصبعك تاخت فيه، فجعلها كثيرة اللحم رخوة، وهو عيب، لأن الجياد توصف بقلة لحمها وصلابته، وأما الذي قاله فالأحرى به شاة يضحى بها قالوا: وأخطأ في البيت الثاني أيضًا فقال: تأبى بدرتها، أي تأبى الجرى إذا أكرهت عليه فجعلها حرونًا إذا حركت قامت، وأخذ الحميم. أي العرق، يتبضع منها، أي يتفجر ويسيل. قال أبو هلال في الصناعتين: وما وصف أحد الفرس بترك الانبعاث إذا حركت غير أبي ذؤيب، وإنما توصف بالسرعة في جميع حالاتها إذا حركت أو لم تحرك، فتشبه بالكوكب والبرق والحريق والريح إلى آخر ما ذكره.
وقيل: كان أبو ذؤيب لا يجيد وصف الخيل فظن أن هذا مما توصف به.
قلنا: وفي الذي أخذوه عليه في البيت الثاني نظر لأنه علق إباءها على الإكراه، والمعروف في صفة الفرس الجواد أنك إذا حركته للعدو أعطاك ما عنده عفوًا، فإذا أكرهته بساق وبسوط لتحمله على الزيادة حملته عزة نفسه على ترك العدو، فهو يقول: إنها تأبى بدرتها عند إكراهها ولا تأبى العرق، كذا في اللسان وشرح ديوانه.
_ومنه) قول سلمة بن الخرشب:
إذا كان الحزام لقصرييه ... أمامًا حيث يمتسك البريم
قال القاضي الجرجاني في الوساطة: «يقول: إن الحزام يقرب في جولانه إذا كثر من عدوه فيصير أمام القصريين. قال الأصمعي: أخطأ في الوصف لأن خير جرى الإناث الخضوع، وإنما يختار الإشراف في جرى الذكور، فإذا اختضعت تقدم الحزام كما قال بشر بن أبي خازم:
تسوق للحزام بمرفقيها ... يسد خواء طبييها الغبار
وقد ساعد متمم بن نويرة على هذا الوصف سلمة فقال:
وكأنه فوق الحبائل جائبًا ... ريم تضايقه كلاب أخضع
فوصف الذكر بالخضوع وإنما يختار له الإشراف» انتهى.
(ومنه) قول عدي بن زيد في صفة فرس:
فصاف يجري جله عن سراته ... يبذ الجياد فارهًا متتايعا
1 / 5