أي صاف هذا الفرس يشق جله عن ظهره من السمن. قالوا: وقد أخطأ في قوله فارهًا لأنه لا يقال للفرس: فاره، وإنما يقال له: جواد وكريم وعتيق، وأما الفاره فالكودن والحمار والبغل. وفي لسان العرب: «زعم أبو حاتم أن عديًا لم يكن له بصر بالخيل وقد خطئ عدي في ذلك» . ووقفت في نبذة عندي مخطوطة منقولة من الفوائد النجفية لسليمان بن عبد الله البحراني على نقول من كتاب لحن العامة لأبي حاتم السجستاني، منها قوله: «ويقال: فرس رائع ولا يقال: فاره، الفاره للحمار والكلب، وفي شعر عدي فارهًا متتايعًا فسألت الأصمعي عنه فقال: لم يكن صاحب خيل، قلت: فيقال: برذون فاره، فقال: لعله، ولعله يقال في البختي» .
(وممن) أخطأ بوضع الغلظ موضع الدقة كعب بن زهير في قوله يصف الناقة:
ضخم مقلدها عبل مقيدها ... في خلقها عن بنات الفحل تفضيل
فقد عد أبو هلال في الصناعتين قوله: ضخم مقلدها من خطأ الوصف لأن النجائب توصف بدقة المذبح، وهو قول غيره من الأئمة أيضًا.
(ومثله) قول الشماخ في ناقته:
فنعم المعترى ركدت إليه ... رحا حيزومها كرحا الطحين
الحيزوم: الصدر. والرحا الأولى: الكركرة، وهي ما يمس الأرض من صدر البعير إذا برك، شبهها في العظم بالرحا التي يطحن بها.
قال المرزباني في الموشح: وإنما توصف النجائب بصغر الكركرة ولطف الخف. وذكر ابن رشيق في العمدة: أن الأصمعي خطاه في هذا لأنه ظنه يصفها بالكبر، وهو عيب لا محالة، وإنما وصفها بالصلابة لا غير. وفي الصناعتين لأبي هلال: «وقال: من احتج للشماخ إنما شبهها بالرحا لصلابتها كما قال:
قلائص يطحن الحصا بالكراكر»
(وأخطأ) أبو النجم في وصفه بالقصر ما يوصف بالسبوطة، فقال في البعير:
أخنس في مثل الكظام مخطمه»
الأخنس: القصير الأنف. والمخطم: الأنف، يقول: كأن أنفه لقصره مشدود بحبل. قال أبو هلال: إنه من خطأ الوصف لأن المشافر إنما توصف بالسبوطة.
(ومن) وضع الشيء في غير موضعه قول المتلمس:
وقد أتناسى الهم عند احتضاره ... بناج عليه الصيعرية مكدم
الناحي هنا: البعير السريع، والصيعرية: سمة للإناث خاصة توسم بها الناقة في عنقها، وهو وسم لأهل اليمن فأخطأ المتلمس في جعلها للفحول وسمعه طرفة بن العبد، وهو صبي، ينشد هذا البيت فقال: (استنوق الجمل) أي صار ناقة، فضحك الناس وسار قوله مثلًا.
(وقال) لبيد:
ولقد أعوص بالخصم وقد ... أملأ الجفنة من شحم القلل
أعوص به، أي ألوى عليه أمره، والقلل: جمع قلة، وهي أعلى السنام. قال أبو هلال والمرزباني: أراد السنام ولا يسمى السنام شحمًا.
(ومن) الخطأ في المعاني ما رواه المرزباني في الموشح قال: قال الأصمعي: قرأت على أبي عمرو بن العلاء شعر النابغة الذبياني فلما بلغت قوله:
مقذوفة بدخيس النحض بازلها ... له صريف صريف القعو بالمسد
قال لي: ما أضر عليه في ناقته ما وصف، فقلت له: وكيف؟ قال: لأن صريف الفحول من النشاط، وصريف الإناث من الإعياء والضجر، كذا تكلمت العرب، فرآني بسكوتي مستزيدًا فقال: ألم تسمع قول ربيعة بن مقروم الضبي:
كناز البضيع جمالية ... إذا ما بغمن تراها كتوما
وكما قال الأعشى:
كتوم الرغاء إذا هجرت ... وكانت بقية ذود كتم
وكما قال الأعشى أيضًا:
والمكاكيك والصحاف من الفض ... ضة والضافرات تحت الرحال
انتهى. قلنا: والنصوص اللغوية التي وقفنا عليها تؤيد ما ذهب إليه ابن العلاء، وهو ما حكاه أيضًا الوزير أبو بكر البطليوسي في شرح ديوان النابغة، غير أنه ذكر قولًا آخر عن أبي زيد بأن الصريف يكون في الإناث والفحول من النشاط ومن الإعياء، قال: والبيت لا يحتمل أن يكون إلا من النشاط. ثم نقل قولًا آخر عن القتبي بأن الناس يغلطون في مراد النابغة، فيقولون: إنه وصفها لذلك لنشاطها، وليس هو كذلك، ولكنه أراد أنى تركتها بعد ما كانت فيه من الشدة يصرف نابها. والصريف: إذا كان من الإناث فهو من الإعياء.
(ومنه) قول بشامة بن الغدير يصف راحلته:
وصدر لها مهيع كالخليفِ ... تخال بأن عليه شليلا
1 / 6