(ومثله) قول أبي النجم يصف فرسًا أجراه في الحلبة:
يسبح أخراه ويطفو أوله
قال الأصمعي: أخطأ في هذا لأنه إذا سبح أخراه كان حمار الكساح أسرع منه، وإنما يوصف الجواد بأنه تسبح أولاه وتلحق رجلاه، كذا في الأغاني. وفي العقد: أن اضطرب مؤخر الفرس قبيح، والوجه ما قال أعرابي في وصف فرس أبي الأعور السلمي.
مر كلمح البرق ناظره ... يسبح أولاه ويطفو آخره
فما يمس الأرض منه حافره
وقال ابن قتيبة في طبقات الشعراء: «وكأن أبو النجم وصافًا للفرس وأخذ عليه في صفته يسبح أخراه ويطفو أوله» ثم ذكر قول الأصمعي ولم يزد، ولكن علي بن حمزة البصري نقل عنه في التنبيهات قولًا عن غير الأصمعي فيه تصويب لما في الرجز، فلعله ذكره في كتاب آخر غير الطبقات. وعزا على بن حمزة انتقاد الأصمعي إلى تعصبه على أبي النجم ومن يستقر كلامه في هذا الكتاب يجد عجبًا من تعصبه هو على الأصمعي ورده ما يقول بحق وبغير حق، وكان خيرًا له أن يعتذر هنا لأبي النجم اعتذار رؤبة لنفسه.
(ومما) خطىء فيه أبو النجم ونبه عنه ابن قتيبة في طبقات الشعراء قوله في وصف الفرس:
كأنها ميجنة القصار
ولم يبين وجهه بسوى قوله: إن الميجنة لصاحب الأدم، أي الجلد، وأنها أيضًا التي يدق عليها الأدم من حجر وغيره، فإن كان يريد أنها لا تكون لقصار الثياب كما يؤخذ من كلامه وكلام أبي هلال في الصناعتين فليس بشيء لأنها تكون لكليهما، وإن كان الخطأ في تشبيه الفرس بها فربما ولكن لم يظهر لنا يظهر لنا وجهه (مما) أخطأ فيه أبو النجم أيضًا قوله في الإبل:
وهي على عذب روى المنهل ... دحل أبي المرقال خير الأدحل
من نحت عاد في الزمان الأول ففي الأغاني: «قال الأصمعي: الدحل لا تورده الإبل إنما تورد الركايا، وقد عيب بهذا وعيب بقوله في البيت الذي يليه: إن هذا الدحل من نحت عاد، قال: والدحلان لا تحفر ولا تنحت إنما هي خروق وشعاب في الأرض والجبال لا تصيبها الشمس فتبقى فيها المياه، وهي هوة في الأرض يضيق فمها ثم تتسع فيدخلها ماء السماء» .
(ومما) أخطأ فيه الإبل أيضًا قوله يصف ورودها:
جاءت تسامي في الرعيل الأول ... والظل عن أخفافها لم يفضل
فقوله: والظل لم يفضل عن أخفافها يدل على أنها وردت الماء في الهاجرة.
والعرب إنما تصف الورود غلسًا والماء بارد كقول الشاعر:
فوردت قبل الصباح الفاتق
وقول الآخر:
فوردت قبل تبين الألوان
وقول لبيد:
إن من وردى تغليس النهل
(ومما) خطأوا فيه أبا النجم قوله في وصف راعي الإبل:
صلب العصا جاف عن التعزل
قالوا: ولا يوصف الراعي بالصلابة على إبله. والعرب إذا أرادت وصفه قالت: (هو ضعيف العصا) كأنه لحسن رعايته لا يحتاج إلى شدة وغلظة كما قال الشاعر:
ضعيف العصا بادى العروق ترى له ... عليها إذا ما أمحل الناس إصبعا
صدى إبل أن تتبع الريح مرة ... يدعها ويخفى الصوت حتى تربعا
إذا سرحت من مبرك نام خلفها ... بميثاء مبطان الضحى غير أروعا
لها أمرها حتى إذا ما تبوأت ... بأخفافها مأوى تبوأ مضجعا
فهذا ما توصف به حذاق الرعاة. ومثله قول الراجز:
إذا الركاب عرفت أبا مطر ... مشت رويدًا وأسفت في الشجر
لأنها ألفت منه الرفق بها وتركها ترعى كما تشاء. وقيل: لم يرد أبو النجم بصلابة العصا شدته عليها، وإنما أراد وصفه بصلابة الظهر وقوة البدن، كما يقال: فلان صلب القناة. وقيل: بل أراد أنه صلب العصا على الحقيقة لأن الراعي إذا كان جلدًا صارمًا اختار عصاه من أصلب ما يقدر عليه، وإلا هلكت إبله وضاعت، وعبثت بها الوحوش والسابلة. وقد أطال على بن حمزة البصري في التنبيهات في الانتصار له بما لا يخرج عما ذكرناه وقد آن لنا أن ندع أبا النجم وننتقل إلى الملك الضليل لنرى كيف ضل في وصف فرسه فقال:
فللسوط ألهوب وللساق درة ... وللزجر منه وقع أخرج مهذب
1 / 4