وإنْ رأيتَ نارَ موتٍ تلتَظي ... فاعلمْ بأنِّي مسعرٌ ذاكَ اللَّظى
خيرُ النّفوسِ السّائلاتِ جهرةً ... على ظُباتِ المرهفاتِ والقنَا
إنَّ العراقَ لمْ أُفارقْ أهلهُ ... عن شنأٍ أصدَّني ولا قلَى
لا أطَّبي عينيَ مذْ فارقتهمْ ... شيءٌ يروقُ الطَّرفَ منْ هذا الورى
همُ الشَّناخيبُ المنيفاتُ الذُّرى ... والنَّاسُ أدحالٌ سواهمْ وهُوى
همُ البحورُ زاخرٌ آذيُّها ... والنَّاسُ ضحضاحٌ ثغابٌ وأضى
إنْ كنتُ أبصرتُ لهم من بعدِهمْ ... مثلًا وأغضيتُ على وخزِ السَّفا
حاشا الأميرينِ اللَّذينِ أوفدا ... عليَّ ظلًاّ من نعيمٍ قد ضفَا
هما اللَّذانِ ابتنيا لي أملًا ... قد وقفَ اليأسُ به على شفَى
تلافَيا العيشَ الذي رنَّقهُ ... صرفُ الزَّمانِ فاستساغَ وصفَا
وأجريَا ماءَ الحيا لي رغدًا ... فاهتزَّ غُصني بعدَ ما كانَ ذوى
هُما اللَّذانِ سمَوا بناظري ... من بعدِ إغضائي على لذعِ القذى
هُما اللَّذانِ عمَرا لي جانبًا ... من الرَّخاءِ كانَ قدمًا قد عفَا
وقلَّداني منَّةً لو قُرنتْ ... بشكرِ أهلِ الأرضِ طرًّا ما وفى
بالعشرِ من معشارِها وكانَ كال ... حسوةِ في آذيِّ بحرٍ قد طمَا
إن ابنَ ميكالَ الأميرَ انتاشَني ... منْ بعدِ ما قد كنتُ كالشَّيءِ اللَّقى
ومدَّ ضبعيَّ أبو العبَّاسِ من ... بعدَ انقباضِ الذَّرعِ والباعِ الوزى
نفسي الفداءُ لأميريَّ ومنْ ... تحتَ السَّماءِ لأميريَّ الفدَا
لا زالَ شكري لهُما مواصلًا ... لفظي أو يعتاقَني صرفُ المنى
إنَّ الأُلى فارقتُ من غيرِ قِلى ... ما زاغَ قلبي عنهمُ ولا هفَا
لكنَّ لي عزمًا إذا انتضيتهُ ... لمبهمِ الخطبِ فآهُ فانفأى
ولو أشاءُ ضمَّ قطريهِ الصِّبا ... عليَّ في ظلِّ نعيمٍ وغنى
ولاعبتْني غادةٌ وهنانةٌ ... تُضني وفي ترشافِها برءُ الضَّنى
أو ناجتِ الأعصَم لانحطَّ لها ... طوعَ القيادِ من شماريخِ الذُّرى
أو صِابًتِ القانِتَ في مُخْلولقٍ ... مستصعبِ المسلكِ وعْرِ المرتقَى
ألهاهُ عن تسبيحهِ ودينهِ ... تأنيسُها حتَّى تراهُ قد صبَا
كأنَّما الصَّهباءُ مقطوبٌ بها ... ماءُ جنى وردٍ إذا اللَّيلُ عسَا
يمتاحهُ راشفُ بردِ ريقِها ... بينَ بياضِ الظَّلمِ منها واللَّمى
سقى العقيقَ فالحُزيزُ فالملا ... إلى النُحيتِ فالقريَّاتِ الدُّنا
فالمربدِ الأعلى الذي تلقَى بهِ ... مصارعَ الأُسدِ بألحاظِ المهَا
محلُّ كلِّ مقرمٍ سمتْ بهِ ... مآثرُ الآباء في فرعِ العلى
من الأُلى جوهرهمْ إذا اعتزَوا ... من جوهرٍ منهُ النَّبيُّ المصطفى
جونٌ أعارتْهُ الجنوبُ جانبًا ... منها وواصتْ صوبهُ يدُ الصَّبا
نأى يمانيًّا فلمَّا انتشرتْ ... أحضانهُ وامتدَّ كسراهُ غطَا
فجلَّلَ الأفقَ فكلّ جانبٍ ... منها كأنْ من قطرهِ المزنُ حيَا
إذا خبتْ بروقُه عنَّتْ لهُ ... ريحُ الصَّبا تشبُّ منه ما خبَا
وإنْ ونتْ رعودهُ حدَا بها ... راعي الجنوبِ فحدتْ كما حدَا
كأنَّ في أحضانهِ وبركهِ ... بركًا تداعى بين سجرٍ ووحى
لم ترَ كالمزنِ سوامًا بُهَّلًا ... تحسبهُ مرعيَّةً وهي سدى
فطبَّقَ الأرضَ فكلُّ بقعةٍ ... منها تقولُ الغيثُ في هاتَا ثوى
تقولُ للأجرازِ لمَّا استوسقتْ ... بسوقهِ ثِقي بريٍّ وحيَا
فأوسعَ الأحدابَ سيبًا مُحسبا ... وطبَّقَ البُطنان بالماءِ الرِّوى
كأنَّما البيداءُ غبَّ صوبهِ ... بحرٌ طما تيَّارهُ ثم سجَا
ذاكَ الجِدا لا زالَ مخصوصًا به ... قومٌ همُ للأرضِ غيثٌ وجدَا
لستُ إذا ما بهظتْني غمرةٌ ... ممَّنْ يقولُ بلغَ السَّيلُ الزُّبى
وإنْ ثوتْ بينَ ضُلوعي زفرةٌ ... تملأ ما بينَ الرَّجا إلى الرَّجا
نهنهتُها مكظومةً حتَّى يُرى ... مخضوضعًا منها الذي كانَ طغَا
ولا أقولُ إنْ عرتَني نكبةٌ ... قولَ القنوطِ انقدَّ في الجوفِ السَّلى
1 / 57