يذبُّ عنهنَّ سامرٌ مصعٌ ... سودَ الغاشي كأنَّها عرفُ
وقال حاتم بن عبد الله الطائي:
أتعرفُ أطلالًا ونؤيًا مهدَّما ... كخطِّكَ في رقّ كتابًا منمنما
إذاعتْ بهِ الأرواحُ بعدَ أنيسِها ... شهورًا وأيَّامًا وحولًا وجرَّما
فأصبحنَ قدْ غيَّرنَ ظاهرَ تربهِ ... وبدَّلتِ الأنواءُ ما كانَ معلما
وغيَّرها طولُ التَّقادمِ والبلى ... فما أعرفُ الأطلالَ إلاَّ توهُّما
ديارُ التي قامتْ تريكَ وقد عفتْ ... وأقوتْ من الزُّوَّارِ كفًّا ومعصما
تهادى عليها حليُها ذاتَ بهجةٍ ... وكشحًا كطيِّ السَّابريةِ أهضما
ونحرًا كفاثورِ اللُّجينِ يزينهُ ... توقُّدُ ياقوتٍ وشذرًا منظَّما
كجمرِ الغضى هبَّتْ له بعدَ هجعةٍ ... من اللَّيلِ أرواحُ الصَّبا فتبسَّما
تضيءُ لنا البيتَ الكليلَ خصاصهُ ... إذا هي ليلًا حاولتْ أن تنسَّما
إذا انصرفتْ فوقَ الحشيَّةِ مرَّةً ... ترنَّمَ وسواسُ الحليّ ترنّما
فبانتْ لطيَّاتٍ لها وتبدَّلتْ ... به بدلًا مرَّتْ له الطَّيرُ أشأما
وعاذلتينِ هبَّتا بعدَ هجعةٍ ... تلومانِ مِتلافا مُفيدا ملوَّما
تلومانِ لمَّا غوَّرَ النَّجمُ ضلَّةً ... فتًى لا يرى الإنفاقَ في الحقِّ مغرما
ألا لا تلوماني على ما تقدَّما ... كفى بصروفِ الدَّهرِ للمرءِ محكما
فقلتُ وقد طالَ العتابُ عليهما ... وأوعدَتاني أن تبيتا وتصرما
فإنَّكما لا ما مضى تُدركانهِ ... ولستُ على ما فاتني متندِّما
فنفسكَ أكرمْها فإنَّكَ إنْ تهنْ ... عليكَ فلنْ تلقى لها الدَّهرَ مكرما
أهنْ في الذي تهوى التِّلادَ فإنَّه ... إذا متُّ كانَ المالُ نهبًا مقسَّما
ولا تشقينْ فيهِ فيسعدَ وارثٌ ... به حينَ تُحشى أغبرَ الجوفِ مظلما
يقسِّمهُ غنمًا ويشري كرامةً ... وقد صرتَ في خطٍّ من الأرضِ أعظما
تحلَّمْ عن الأذنينِ واستبقِ ودَّهمْ ... فلستَ مصيبَ الحلمِ حتَّى تحلَّما
متى تلقَ أضغانَ العشيرةِ بالأنى ... وكفِّ الأذى يحسمْ لكَ الدَّاءَ محسما
وما ابتعثتْني في هوايَ لجاجةٌ ... إذا لم أجدْ فيما أمامي مقدما
إذا شئتُ نازيتُ امرأَ السُّوءِ ما نزا ... إليك ولا طمتَ اللَّئيمَ الملطَّما
رأى اللَّيلَ قد غالتْ نجومٌ تقودهُ ... وقد يكرهُ السَّاري البخيلَ المذمَّما
وكنتُ امرأً من معشرٍ عادةٌ لهم ... منًى أن يبيتَ الضَّيفُ ريَّانَ مطعما
ويحمدُ جاديهم ويرضَى صديقُهم ... إذا أخطأ القطرُ الجنابَ فأقتما
وعوراءُ قد أعرضتُ عنها فلم تضرْ ... وذي أودٍ قوَّمتُه فتقوَّما
وأغفرُ عوراءَ الكريمِ ادِّخارهُ ... وأُعرضُ عن شتمِ اللَّئيمِ تكرُّما
ولا أخذلُ المولى وإن كانَ خاذلًا ... ولا أشتمُ ابنَ العمِّ إنْ كانَ مفحما
ولا زادني عنهُ غنايَ تباعدًا ... وإنْ كانَ ذا نقصٍ من المالِ مصرما
وليلٍ بهيمٍ قد تسربلتُ هولهُ ... إذا اللَّيلُ بالنَّكسِ الضَّعيفِ تجهَّما
ولن يكسبَ الصُّعلوكُ حمدًا ولا غنى ... إذا هو لم يركبْ من الأمرِ معظما
ولم يشهدِ الخيلَ المغيرةَ بالضُّحى ... يثرنَ عجاجًا بالسَّنابكِ أقتما
لحى اللهُ صعلوكًا مناهُ وهمُّهُ ... من العيشِ أنْ يلقى لبوسًا ومطعما
يرى الخمصَ تعذيبًا وإنْ يلقَ شبعةً ... يبتْ قلبهُ من قلَّةِ الهمِّ مبهما
مقيمًا مع المثرينَ ليس ببارحٍ ... إذا نالَ جدوى من طعامٍ ومجثما
ينامُ الضُّحى حتَّى إذا نومهُ استوى ... تنبَّه مثلوجَ الفؤادِ مورَّما
ولكنَّ صعلوكًا يساورُ همَّمُ ... ويمضي على الأيَّامِ والدَّهرِ مُقدما
فتى طلباتٍ لا يرى الخمصَ ترحةً ... ولا أكلةً إنْ نالها عدَّ مغنما
إذا ما رأى يومًا مكارمَ أعرضتْ ... تيمَّمَ كبراهنَّ ثمَّتَ صمَّما
ترى رمحهُ ونبلهُ ومجنَّهُ ... وذا شطبٍ عضب الضريبةِ مخذما
وأحناءَ سرجٍ قاترٍ ولجامهُ ... عتادَ أخي هيجا وطرفًا مسوَّما
1 / 53