فذلكَ إنْ يهلكْ فحسنٌ ثناؤهُ ... وإنْ يحيى لا يقعدْ ضعيفًا مذمَّما
وقال أيضًا:
أماويَّ قد طالَ التَّجنُّبُ والهجرُ ... وقد عذرتني في طلابكمُ العذرُ
أماويَّ إنَّ المالَ غادٍ ورائحٌ ... ويبقى من المالِ الأحاديثُ والذِّكرُ
أماويَّ إنِّي لا أقولُ لسائلٍ ... إذا جاءَ يومًا حلَّ في مالنا نذرُ
أماويَّ إمَّا مانعٌ فممنَّعٌ ... وإمَّا عطاءٌ لا ينهنههُ الزَّجرُ
وقدْ علمَ الأقوامُ لو أنَّ حاتمًا ... أرادَ ثراءَ المالِ كانَ لهُ وفرُ
إذا منَّ بالمالِ البخيلُ فإنَّني ... أجودُ فلا قلٌّ عطائي ولا نزرُ
أفكُّ بهِ العاني ويؤكلُ طيِّبًا ... فما إنْ تعرِّيهِ القداحُ ولا الخمرُ
أماويَّ إنْ يصبحْ صدايَ بقفرةٍ ... من الأرضِ لا ماءٌ لديَّ ولا خمرُ
ترَي أنَّ ما أفنيتُ لم يكُ ضرَّني ... وأنَّ يدي ممَّا بخلتُ به صفرُ
أماويَّ إنِّي ربُّ واحدِ أمِّهِ ... أجرتُ فلا قتلٌ عليهِ ولا أسرُ
ولا ألطمُ ابنَ العمِّ إنْ كانَ إخوتي ... شهودًا وقد أودى بإخوتهِ الدَّهرُ
ولا أخذلُ المولى بسوءِ بلائهِ ... وإنْ كانَ محنوَّ الضُّلوعِ بها غمرُ
غُنينا زمانًا بالتَّصعلكِ والغنى ... وكلاّ سقاناهُ بكأسيهما الدَّهرُ
فما زادَنا بغيًا على ذي قرابةٍ ... غنانا ولا أزرى بإحساننا الفقرُ
إذا المرءُ أثرى ثم لم يكُ مالهُ ... نوالًا لدى البؤسى فحالفهُ العسرُ
فأعطِ ولا تمسكْ مخافةَ فاقةٍ ... وإنَّ وراءَ العسرِ إنْ خفتهُ اليسرُ
وما ضرَّ جارًا يا ابنةَ القومِ فاعلَمي ... يُجاورني ألاَّ يكونَ له سترُ
لجاريَ حقٌّ قدْ رأى ذاكَ واجبًا ... وقبلي لهُ ماويَّ ما تنزلُ القدرُ
بعينيَّ عن عوراتِ جاريَ غفلةٌ ... وفي السَّمعِ منِّي من حديثهما وقرُ
متى ينأَ جاريَ لا يراني لعرسهِ ... بنفسي وصولًا ما أرى أنَّه سفرُ
سأرعاهُ جهدي إنَّ للجارِ حرمةٌ ... ويرجعُ لمْ يرسلْ عليَّ لها حذرُ
لعمركَ لا أخشى بقولِ مُجاوري ... إذا متُّ ماتَ الجبنُ والبخلُ والغدرُ
لحا اللهُ من يُبقي من المالِ بعدهُ ... لوارثهِ شيئًا ويتبعهُ الوزرُ
فلا تمنَعي راجي نوالكِ إنَّهُ ... الذِّكرُ في الدُّنيا ويلحقُك الأجرُ
أأتركُ مالي إن هلكتُ لوارثٍ ... تتبَّعهُ عيني إذا ضمَّني القبرُ
أماويَّ ما يُغني الثَّراءُ عن الفتى ... إذا حشرجتْ نفسي وضاقَ بها صدري
إذا أنا دلاّني الذينَ أحبُّهمْ ... بملحودةٍ زلجٍ جوانبُها غبرُ
وقاموا على أرجائِها يدفنونَني ... يقولونَ قد أودى السَّماحةُ والفخرُ
وأُسلمتُ فيها غيرَ بارحِ قعرِها ... فلا عجبٌ ممَّا ترينَ ولا سخرُ
وراحوا سراعًا ينفضونَ أكفَّهمْ ... يقولونَ قد دمَّى أظافيرنا الحفرُ
هنالكَ لا آلو لنفسي صنيعةً ... فأولُهُ زادٌ وآخرهُ ذخرُ
وقال أيضًا:
ألا أرقتْ عيني فبتُّ أديرُها ... حذارَ غدٍ أحجى بأنْ لا يضيرُها
إذا النَّجمُ مغربَ الشَّمسِ رانيًا ... ولم يكُ في الآفاقِ برقٌ ينيرُها
إذا ما السَّماءُ لم تكنْ غيرَ حلبةٍ ... كجدَّةِ بيتِ العنكبوتِ ينيرُها
فقد علمتْ غوثٌ بأنَّا سراتَنا ... إذا أعلنتْ بعدَ النَّجيِّ أمورها
وإنَّا نهينُ المالَ في غيرِ ضنَّةٍ ... وما يشتكينا في السّنينَ ضريرُها
إذا ما بخيلُ النَّاسِ هرَّتْ كلابهُ ... واشتقَّ على الضَّيفِ الغريبِ عقورُها
فإنِّي جبانُ الكلبِ بيتي موطَّأٌ ... جوادٌ إذا ما النَّفسُ شحَّ ضميرُها
فإنَّ كلابي قد أُقرَّتْ وغودرتْ ... قليلٌ على من يعتريني هريرُها
وأُبرزُ قدري بالفناءِ قليلُها ... يُرى غيرَ مضنونٍ به وكثيرُها
وليسَ على ناري حجابٌ يكنّها ... لمستقْبسٍ ليلًا ولكنْ أشيرُها
ولا وأبيكَ ما يظلُّ ابنُ جارتي ... يطوفُ حواليْ قدرنا لا يطورُها
وما تشتكيني جارتي غيرَ أنَّني ... إذا غابَ عنها بعلُها لا أزورُها
1 / 54