تبكي لصخرٍ هي العبرَى وقد عبرتْ ... ودونهُ من ترابِ الأرضِ أستارُ
كأنَّ عيني لذكراهُ إذا خطرتْ ... فيضٌ يسيلُ على الخدَّينِ مدرارُ
تبكي خناسُ على صخرٍ وحقَّ لها ... أودى بهِ الدَّهرُ إنَّ الدَّهرَ عثّارُ
في جوفِ رمسٍ مقيمًا قد تضمَّنه ... في قبرهِ مقمطرَّاتٌ وأحجارُ
يا صخرُ ورَّادُ ماءٍ لقد تناذرهُ ... أهلُ المواردِ ما في وردهِ عارُ
مشيَ السَّبنتى إلى هيجاءَ معضلةٍ ... لهُ سلاحانِ أنيابٌ وأظفارُ
مثلَ الرُّدينيّ لم تدنسْ شبيبتهُ ... كأنَّهُ تحتَ طيِّ البُردِ أسوارُ
جهمُ المحيَّا تضيءُ اللَّيلَ صورتهُ ... آباؤهُ من طوالِ السَّمكِ أحرارُ
رحبُ اليدينِ بفعلِ الخيرِ ذو فجرٍ ... ضخمُ الدَّسيعةِ بالخيراتِ أمَّارُ
جلدٌ مخيلٌ وهوبٌ بارعٌ يسرٌ ... وفي الحروبِ إذا لاقيتَ مسعارُ
حامي الحقيقةَ مهديُّ الطريقة ... ممحوضُ الخليقة نفَّاعٌ وضرَّارُ
حوَّاطُ قاصيةٍ قوَّالُ عاصيةٍ ... جزَّارُ قاصيةٍ للجيشِ جرَّارُ
فلتبكِ ناعيةٌ بالفجعِ داعيةٌ ... في يومِ واعيةٍ ما فيهِ إسرارُ
فعَّالُ ساميةٍ ورَّادُ طاميةٍ ... للمجدِ ناميةٍ تعنيهِ أسفارُ
حلوٌ حلاوتهُ فصلٌ مقالتهُ ... ماضٍ مريرتهُ في الهيجِ مغوارُ
فليبكِه مقترٌ وافى حريبتهُ ... دهرٌ وحالفهُ بؤسٌ وإقتارُ
أو رفقةٌ حارَ حاديهمْ بمظلمةٍ ... كأنَّ ظلمتَها في الطِّخيةِ القارُ
لم ترهْ جارةٌ يمشي بساحتِها ... لريبةٍ حينَ يُخلي بيتهُ الجارُ
ولا تراهُ لما في البيتِ يأكلهُ ... لكنَّه بارزٌ في الصُّبحِ مهمارُ
وإنَّ صخرًا لمولانا وسيِّدُنا ... وإنَّ صخرًا إذا نشْتو لنحَّارُ
وإنَّ صخرًا لتأتمُّ الهداةُ بهِ ... كأنَّهُ علمٌ في رأسهِ نارُ
فقلت لمَّا رأيتُ الدَّهرَ ليسَ له ... معاتبٌ دائبٌ يُسدي ونيّارُ
لقد نعى ابنُ نهيكٍ أخا ثقةٍ ... كانتْ ترجَّمُ عنهُ قبلُ أخبارُ
فبتُّ ساهرةً للنَّجمِ أرقبهُ ... حتَّى أتى دونَ غورِ النَّجمِ أستارُ
فما عجولٌ لذي بوٍّ تطيفُ به ... قد ساعدتَها على التَّحنانِ أظآرُ
أودى بهُ الدَّهرُ عنها فهيَ مزرمةٌ ... لها حنينانِ إصغارٌ وإكبارُ
ترتعُ ما غفلتْ حتَّى إذا ادَّكرتْ ... فإنَّما هي إقبالٌ وإدبارُ
يومًا بأوجعَ منِّي يومَ فارقَني ... صخرٌ وللدَّهرِ إحلاءٌ وإمرارُ
لا بدَّ من ميتةٍ في صرفِها غيرٌ ... والدَّهرُ في صرْفه حولٌ وأطوارُ
وقال قيس بن الخطيم:
أتعرفُ رسمًا كاطِّرادِ المذاهبِ ... لعمرةَ وحشًا غيرَ موقفِ راكبِ
ديارُ التي كادتْ ونحنُ على مِنى ... تحلُّ بنا لولا نجاءُ الرَّكائبِ
تبدَّتْ لنا كالشَّمسِ تحتَ غمامةٍ ... بدا حاجبٌ منها وضنَّتْ بحاجبِ
ولم أرَها إلاَّ ثلاثًا على مِنى ... وعهدي بها عذراءَ ذاتَ ذوائبِ
ومثلكِ قد أصبيتُ ليستْ بكنَّةٍ ... ولا جارةٍ ولا حليلةِ صاحبِ
دعوتُ بني عوفٍ لحقْنِ دمائهمْ ... فلما أبَوا سامحتُ في حربِ حاطبِ
وكنتُ أمرأ لا أبعثُ الحربَ ظالمًا ... فلمَّا أبَوا أشعلتُها كلَّ جانبِ
أربتُ بدفعِ الحربِ حتَّى رأيتُها ... عد الدفعِ لا تزدادُ غيرَ تقاربِ
فإذْ لم يكنْ من غايةِ الموتِ مدفعٌ ... فأهلًا بها إذا لم تزلْ في المراحبِ
فلمَّا رأيتُ الحربَ حربًا تجرَّدتْ ... لبستُ مع البردينِ ثوبَ المحاربِ
مضاعفةً يغشى الأناملَ فضلُها ... كأنَّ قتيريْها عيونُ الجنادبِ
أتتْ عصبٌ مِ الكاهنينِ ومالكٍ ... وثعلبةَ الأثرينَ رهطِ ابنِ غالبِ
رجالٌ متى يدعوا إلى الرَّوعِ يُرقلوا ... إليهِ كإرقالِ الجِمالِ المصاعبِ
إذا فزعوا مدُّوا إلى الرَّوعِ صارخًا ... كموجِ الآتيِّ المزبدِ المتراكبِ
ترى قصدَ المرَّانِ تهوي كأنَّها ... تذرُّعُ خرصانٍ بأيدي الشَّواطبِ
صحبْنا بها الآطامَ حولَ مزاحمٍ ... قوانسُ أُولى بيضِنا كالكوكبِ
1 / 51