ما ذاكَ إلاّ أنَّني متكرِّمٌ ... حرُّ الأرومةِ بتُّ بينَ حرائرِ
بينَ الرَّبابِ وبينَ أترابٍ لها ... بيضٍ غذاهنَّ النعيمُ عباهرِ
فتقاصرَ الليلُ الطويلُ ولم يكنْ ... من قبلُ ذاكَ عليَّ بالمتقاصرِ
هطلتْ علينا بالسُّرورِ سماؤهُ ... وجرتْ كواكبهُ بأسعدَ طائرِ
لمَّا بدا ضوءُ الصباحِ مبشِّرًا ... أولاهُ أردافَ الدُّجى بأواخرِ
قالتْ ودمعُ العينِ يغسلُ كحلَها ... نفسي الفداءُ دنا الصباحُ فبادرِ
فخرجتُ في خمسٍ كواعبَ زرنَها ... ذاتَ العشاءِ خروجَ قدحِ الياسرِ
ما إنْ نمرُّ بحارسٍ إلاّ زوى ... عنَّا عرامةَ طرفهِ المتخازرِ
فمضينَ بي وقلوبهنَّ رواجفٌ ... يخفقنَ بينَ حشا وبينَ حناجرِ
لمَّا وقفنَ بالثَّنيَّة لم يكنْ ... إلاّ وداعُ مسلِّمٍ أو سائرِ
وإذا البلادُ بلاقعٌ من صاحبي ... لمحَ الصَّباحُ له لضوءٍ ناصرِ
هزمتْ عساكرُهُ دجى ظلمائها ... والليلُ منهزمٌ بغيرِ عساكرِ
خلَّفتهُ وفؤادهُ حذرَ العدى ... في مثلِ خافيةِ العقابِ الطَّائرِ
وإذا الجوادُ بموقفٍ أحرزتهُ ... لمَّا تحقَّقَ فيه قولُ الشاعرِ
قد ملَّ من علكِ الشَّكيمِ كأنَّه ... ناجٍ بصحراءِ المَعَى فقُراقرِ
قرَّبتهُ ثم استحلْتُ بمتنهِ ... وانقضَّ يهوي كالعقابِ الكاسرِ
فناقضه عبد القادر فقال:
يا قصرَ مسلمةَ الذي أهدَى لنا ... حورَ الظِّباءِ سُقيتَ صوبَ الماطرِ
قد كانَ يبلغُني فصرتُ مكذِّبًا ... عن حسنِ أهلكِ في الزَّمانِ الغابرِ
حتَّى رأيتُ الشمسَ أشرقَ نورُها ... في ريطةٍ مصقولةٍ وقراقرِ
ورأيتُ غزلانَ الخدورِ سوافرًا ... يبسمنَ عن كالأقحوانِ الزَّاهرِ
في مجلسٍ هطلتْ سماءُ سرورهِ ... دررًا تساقطُ من مِفنٍّ ماهرِ
فجنيتُ من ثمر الصَّبابةِ والهوى ... وخبطتُ من ورقِ النَّعيمِ النَّاضرِ
وظللنَ يرمينَ القلوبَ بأسهمٍ ... سمَّتُ مشاقصها بطرفٍ فاترِ
وأصبنَ منِّي مقتلًا فقتلنني ... يا من رأى ليثًا قتيل جآذرِ
دعْ ذا ولكن هل سمعتَ مقالها ... والعينُ تسعدها بدمعٍ ماطرِ
في غفلةٍ من أهلها لِفتاتها ... ويلي غدًا إن سارَ عبدُ القادرِ
قال عمرو بن قعاس المرادي:
ألا يا بيتُ بالعلياء بيتُ ... ولولا حبُّ أهلكِ ما أتيتُ
ألا يا بيتُ أهلكِ أوعدوني ... كأنِّي كلَّ ذنبهمُ جنيتُ
ألا بكرَ العواذلُ واستميتُ ... وهل أنا خالدٌ إمَّا صحوتُ
إذا ما فاتني لحمٌ غريضٌ ... ضربتُ ذراعَ بكري فاشتويتُ
وكنتُ إذا أرى زقَّا مريضًا ... يناحُ على جنازتهِ بكيتُ
أرجِّلُ لمَّتي وأجرُّ ذيلي ... وتحمل بزَّتي أفقٌ كميتُ
أمشِّي في ديار بني غطيفٍ ... إذا ما سامني ضيمٌ أبيتُ
وسوداءِ المحاجرِ إلفَ صخرٍ ... تلاحظني التَّطلُّعَ قد رميت
وغصنٍ ليِّنٍ غضرٍ رطيبٍ ... هصرتُ إليَّ منه فاجتنيتُ
وماءٍ ليسَ من عدٍّ رواءٍ ... ولا ماءِ السَّماء قد استقيتُ
وتامورٍ هرقتُ وليس خمرًا ... وحبَّةِ غيرِ طاحنةٍ فليتُ
ولحمٍ لم يذقهُ الناسُ قبلي ... أكلتُ على خلاءٍ وانتقيتُ
وبركٍ قد أثرتُ بمشرفيٍّ ... إذا ما زلَّ عن عقرٍ رميتُ
وصادرةٍ معًا والوِردُ شتَّى ... على أدبارها أُصلًا حدوتُ
وعاديةٍ لها ذنبٌ طويلٌ ... رددتُ بمضغةٍ مما اشتهيتُ
ونارٍ أوقدت من غيرِ زندٍ ... أثرتُ جحيمها ثم اصطليتُ
أثبِّتُ باطلي فيكونُ حقًّا ... وحقًّا غيرَ دي شبهٍ لويتُ
فلم أدبرْ على الأدنينِ إنّي ... نماني الأكرمونَ وما نميتُ
متى ما يأتني أجلي يجدني ... شبعتُ من اللَّذاذةِ واشتفيتُ
وقال عروة بن حزام العذري:
ألا يا غرابيْ دمنةِ الدارِ بيّنا ... أبا الصِّرمِ من أسماءَ تنتجيانِ
فإنْ كانَ حقًّا ما تقولانِ فانهضا ... بجسمي إلى وكريكما فكلاني
ولا يدرينَّ الناسُ ما كان ميتني ... ولا يأكلنَّ الطَّيرُ ما تذرانِ
1 / 46