واعلم أن ما يفيد الشمول في النفي خاصة ولا يستعمل في الإثبات، إنما هو في عدة أبواب منه، كأنها خصصت به لكثرة البلوى بها إذا كانوا يضيعون ما يضيعون بحسب الحاجة إليه، ولم يستعمل في الإثبات، لأن ما يفيد الشمول مثله على حده لا يصح في الإثبات، إذا كانت هنا الحكاية لم تجر به، وقد بينا ذلك. فمنها ما يتكلم به في نفي الناس نحو: ما بها دُعْويّ، وما بها تامور، وما بها شفر. ومنها ما هو في نفي المال نحو: ما له سم ولا خم، وما له قُذَعْملة. ومنها ما ينفي به الطعام نحو: ما ذقت علوسا. ومنها ما ينفي به النوم نحو: ما ذقت غِماضًا ولا حثاثًا. ومنها ما ينفي به الأوجاع نحو: ما به وَذِيَّة. ومنها ما ينفي به الحلي نحو: ما عليها خضاض. وهذه على اختلافها وأمثالها لا يستعمل شيء منها في الإثبات، وهي تفيد نفي قليل ما وضع له وكثيره، فافهم ذلك واعلمه، إن شاء الله.
المنتخبات الشعرية
محمد بن يزيد بن مسلمة
يا صاحبيَّ قفا عليَّ سويعةٍ ... كيما نلمَّ بقصرِ عبدِ القادرِ
عوجا معي لله درُّ أبيكُما ... نشفِ القلوبَ من الجوى المتخامرِ
أمَّا النزولُ فيائسٌ أنْ تفعلا ... لا تبخَلا عنِّي بموقفِ ناظرِ
كفَّا الملامَ ولاتَ حينَ ملامةٍ ... هذا أوانُ ترافدٍ وتناصرِ
أو فاصرِما حبلَ المودةِ بيننا ... هذا الطريقُ لمنجدٍ أو غائرِ
فتواقفا متشتِّتينَ هواهُما ... من مسعديَّ بالوفاءِ وغادرِ
فانقادَ لي هذا فأبصرَ رشدهُ ... وانحازَ ذاكَ إلى الطريقِ الجائرِ
لمَّا بدا وادي النُّويرةَ دوننا ... نرمي الفجاجَ بعنتريسٍ ضامرِ
رفعَ العقيرَةَ بالغناءِ فشاقني ... رجعٌ كحدرِ اللؤلؤِ المتناثرِ
رهبانُ مدينَ لو رأوْكِ تنازلوا ... والعصمِ من شغفِ العقول الفادرِ
فاغرورقتْ عينُ الفتى فزجرتهُ ... نهنهْ دموعكَ فارعوى للزاجرِ
حتّى إذا أرخى الظلامُ ستورهُ ... وتزاورَ العيّوقُ أيَّ تزاورِ
وتصوّبتْ أيدي النجومِ فغوَّرتْ ... وغوائرٌ منها أمامَ غوائرِ
عجنا بقصرِ بني شعيبٍ بعدَما ... سئمَ الخليطُ ونامَ كلُّ مسامرِ
ورمى الكرَى في الحارسينِ فهوَّموا ... من بعد ما بقيا بليل ساهرِ
قالَ ابنُ عمِّي ما ترى قلتُ اتئدْ ... ليس الجهولُ بخطِّةٍ كالخابرِ
اعقلْ قلوصًا جانبا لا ترعَها ... واقرنْ وظيفَ ذراعِها بالآخرِ
أمَّا الجوادُ فلم يبرحْ مكانتهُ ... بتقدِّمٍ منه ولا بتأخّرِ
عوّذتهُ فيما أزورُ حبائِبي ... إهمالهُ وكذاكَ كلُّ مخاطرِ
وإذا احتبَى قربوسهُ بعنانهِ ... علكَ الشَّكيمُ إلى انصرافِ الزَّائرِ
وعلمتُ أنَّ الأمرَ ليسَ دواؤهُ ... إلاّ الجسورُ ليسَ حينَ تجاسرِ
فخرجتُ أقدمُ صاحبي متوشِّحًا ... بحمائل الغصبِ الحسامِ الباترِ
أكزُ النيامَ ميامنا ومياسرا ... والقومُ نصبُ ميامنِي ومياسِري
ما راعني إلاّ نبيذُ وصيفةٍ ... بالسُّورِ تنبذُ بالحصى المتواترِ
مأمورةٍ لم تعدُ ما أُمرتْ به ... سقيًا لمأمورٍ هناكَ وآمرِ
وأبهنَ فاستشرفنَ لي ... من بينِ مسدلةِ النقابِ وحاسرِ
أشرفنَ إشرافَ الظِّباءِ تشايمتْ ... برقًا تبوَّجَ في حبِيٍّ ماطرِ
بملاحفٍ مصقولةٍ قد وصِّلتْ ... ومآزرٍ عقَّدْنها بمآزرِ
تسعٌ حُشدنَ لعاشرٍ يُصعدنهُ ... يا ربِّ سلّمْ شخصهُ من عاشرِ
فسدلنَ أسبابًا إليَّ ضعيفةً ... إمَّا وهتْ لم يلقَ لي من عاذرِ
فشددتُها في رسغِ أروعَ ماجدٍ ... ماضٍ على الأهوالِ غير مؤامرِ
وطليحهنَّ وساوسٌ قد قطَّعتْ ... قلبي مخافةَ نبأةٍ من سائرِ
فمطوتُ منكبَ صاحبي فأنافَ بي ... وجذبنَ بالأسبابِ بعدَ تشاورِ
فصبرنَ للأمرِ الذي حاولنهُ ... حتَّى ظفرنَ وبتنَ غيرَ صوابرِ
فلئنْ دخلتُ القصرَ مدخلَ فاتكٍ ... ما كنتُ في سترِ الحجالِ بفاجرِ
أمَّا الإزارُ وحوزهُ فمحرَّمٌ ... وليَ الوشاحُ وما خلا من ماطرِ
والشَّمُّ والتقبيلُ كانَ محلَّلًا ... واللَّمسُ إلاّ عن كثيبٍ مائرِ
1 / 45