فإن تكشفا عنِّي القميصَ تبيَّنا ... بيَ السُّقمَ من عفراءَ ما تذرانِ
إذًا تجدا لحمًا قليلًا وأعظمًا ... بلينَ وقلبًا دائمَ الخفقانِ
فعفراءُ أصفى الناس عندي مودَّةً ... وعفراءُ عنِّي المعرضُ المتواني
على كبدي من حبِّ عفراءَ وقرةٌ ... وعينايَ من وجدٍ بها تكفانِ
سجومًا وتذرافًا وسحًّا وديمةً ... وسكبًا وإخضالا وتبتدرانِ
كأنَّهما وهيانِ في مستشنَّةٍ ... تسدَّانِ أحيانًا وتنفجرانِ
فأقسمُ لولا حبُّ عفراءَ ما التقى ... عليَّ رواقا بيتكِ الخلقانِ
ولا حملتْ عنسي بأغبرَ طامسٍ ... ولا وكلتْ عيناي بالهملانِ
فويلي على عفراءَ ويلًا كأنَّهُ ... على الصَّدرِ والأحشاءِ حدُّ سنانِ
أعفراءُ كمن من ميتةٍ قد أمتِّني ... وحزنٍ ألحَّ العينَ بالهملانِ
لقد تركتْ عفراءُ قلبي كأنَّهُ ... جناحُ عقابٍ دائمُ الطَّيرانِ
فيا ليتنا نحيا جميعًا وليتنا ... إذا نحنُ متنا ضمَّنا كفنانِ
ويا ليتنا عفراءُ منن غيرِ ريبةٍ ... بعيرانِ نرعى القفرَ مؤتلفانِ
هوى ناقتي خلفي وقدَّاميَ الهوى ... وإنِّي وإيَّاها لمختلفانِ
فإنْ تحملي شوقي وشوقكِ تظلعي ... وما ليَ بالحملِ الثقيلِ يدانِ
ألا ليتَ عمِّي يومَ فرَّقَ بيننا ... سقي السُّمَّ ممزوجًا بشثِّ يمانِ
فيا عمِّ لا بلَّتكَ من ذي قرابةٍ ... بلالٌ وزلَّتْ تحتكَ القدمانِ
وذاكَ بما فرَّقتَ بيني وبينها ... ونحن بنيَّا العمِّ مؤتلفانِ
يكلِّفني عفراءُ ستينَ بكرةً ... وما ليَ يا عفراءُ غيرُ ثمانِ
يكلِّفني عفراءُ ما ليسَ لي به ... ولا بالجبالِ الراسياتِ يدانِ
فواللهِ ما حدَّثتُ سرَّكِ صاحبًا ... نصيحًا ولا فاهتْ به الشَّفتانِ
سوى أنَّني قد قلتُ يومًا لصاحبي ... ضحى وقلوصانا بنا تخدانِ
ألا حبَّذا من حبِّ عفراءَ ملتقى ... نعامٍ وبركٍ حيثُ يلتقيانِ
جعلتُ لعرَّافِ اليمامةِ حكمهُ ... وعرَّافِ نجدٍ إن هما شفياني
فقالا نعمْ نشفي من الدَّاء كلِّهِ ... وقاما مع العوَّادِ يبتدرانِ
وما تركا من رقيةٍ يعلمانها ... ولا سلوةٍ إلاّ بها رقياني
فقالا شفاكَ اللهُ واللهِ ما لنا ... بما ضمِّنتْ منكَ الضُّلوعِ يدانِ
كأنَّ قطاةً علِّقتْ بجناحها ... على كبدي من شدَّةِ الخفقانِ
وقال حسان بن ثابت:
أسألتَ رسمَ الدَّارِ أم لم تسألِ ... بينَ الجوابي فالبضيعِ فحوملِ
فالمرجِ مرجِ الصُّفَّرينِ فجاسمٍ ... فديارِ تبنى درَّسًا لم تحللِ
دارٌ لقومٍ قد أراهم مرَّةً ... فوقَ الأعزَّةِ عزُّهم لم ينقلِ
للهِ درُّ عصابةٍ نادمتهمْ ... يومًا بجلَّقَ في الزَّمانِ الأولِ
أولادُ جفنةَ حولَ قبرِ أبيهمِ ... قبر ابن ماريةَ الكريمِ المفضلِ
يسقونَ من وردَ البريصَ عليهم ... بردى يصفِّقُ بالرّحيقِ السَّلسلِ
يسْقونَ درْياقَ المدامِ ولم تكنْ ... تعدو ولائدهمْ لنقفِ الحنظلِ
يغشونَ حتَّى ما تهرُّ كلابهمْ ... لا يسألونَ عن السَّوادِ المقبلِ
بيضُ الوجوهِ كريمةٌ أحسابهمْ ... شمُّ الأنوفِ من الطِّراز الأولِ
فلبثتُ أيَّامًا طوالا فيهمُ ... ثم ادَّكرتُ كأنني لم أفعلِ
إمَّا تريْ رأسي تغيَّر رأسي تغيَّر لونهُ ... شمطًا وأصبحَ كالثَّغامِ الممحلِ
فلقد يراني الموعديُّ كأنَّني ... في قصرِ دومةَ أو سواءِ الهيكلِ
ولقد شربتُ الخمرَ في حانوتها ... صهباءَ صافيةً كطعمِ الفلفلِ
يسعى عليَّ بكأسها متنطِّفٌ ... فيعلُّني منها ولو لم أنهلِ
إنَّ التي ناولتني فرددتها ... قُتلتْ قتلْتَ فهاتها لم تقتلِ
كلتاهما حلبُ العصير فعاطني ... بزجاجةٍ أرخاهما للمفصلِ
بزجاجةٍ وقصتْ بما في جوفها ... رقصَ القلوصِ براكبٍ مستعجلِ
نسبي أصيلٌ في الكرام ومذوَدي ... تكوي مواسمهُ جنوبَ المصطلي
وفتىً يحبُّ المجدَ يجعلُ مالهُ ... من دونِ والده وإن لم يسألِ
1 / 47