فأخرجت الصينية من الفرن بسرعة وقلت: ها هو ذا قد تهيأ ... فزمجر وأرعد قائلا: وأين كنت إلى الآن، وفيما قضيت هذا الأصيل يا لكاع؟ وها هو ذا الليل قد أقبل، وعلام كان هذا الخنزير باكيا؟
قلت خائفة: لا شيء ما به من سوء، وإنما جرح إصبعه.
قال: عليه السوء إن لم يكف عن «زنه» الدائم وبكائه المقيم لا ينقطع، أسامع هذا يا ملعون؟
ولكن الطفل أخذ (يزوم) ويبكي بكائا صامتا، فتألم له فؤادي وخفق؛ إذ خشيت أن يسوطه أبوه إذا لم يكف، وتذكرت آخر مرة علاه بالسوط ولم أستطع عنه دفاعا أو أن أحميه من سوطه.
قلت - لألهيه عن الوليد -: ها هو ذا العشاء قد تهيأ.
فتولى منصرفا كاشرا، وما كاد ينصرف عن المطبخ حتى تناولت الوليد في أحضاني وهمست له أقول وأنا ألتقط صندوقا صغيرا من فوق الرف: خذ هذا الزبيب واسكت، فاحتجز الوليد عبرته المختنقة ومد يده إلى الزبيب فملأت حفنته منه وأجلسته فوق مقعد بجانب المائدة.
وكان الطعام قد صف فوق الخوان، فجلس زوجي إليه، وتسلل الصبيان إلى مقعديهما من المائدة وهما يختلسان النظر في رعب ووجل إلى أبيهما. وكان فؤاد قبل الذهاب إلى الخوان قد مر بالمطبخ، فسألني في همس: أغضبان هو اليوم؟
قلت: لا أدري، أحسبه في بعض الغضب، اذهب فإن العشاء قد وجب.
وأخذت سعيدا الوليد في حجري فجلست إلى المائدة.
وقطب زوجي حاجبيه الغزيرين وقال: ما لي لا أرى «سميحة» و«سوسنة» على المائدة؟ أين ذهبتا؟ فوجمنا جميعا، وبدا الرعب على الصبيين، ولم يحر أحد منا جوابا. فعاد يزمجر قائلا: لم لا تجيبون؟ أعدتم صما بكما لا تسمعون ولا تنطقون؟
Page inconnue