وتزوجت «ب» الطبيب الذي خطبها، وكان آخر عهدي بها في المدينة منذ أعوام، فإذا في عينيها نظرة أليمة، ورنوة متكسرة هي أثر من أسى قديم هيهات أن يزول من الفؤاد، أو تمحو الأيام منه ذلك الأثر ...!
زوج طاغية
بنفس متعبة، وبدن مجهد ضعيف، وقفت في مطبخ داري أهيئ العشاء والشمس تعدل إلى المغيب، وما لبثت أن سمعت مواقع قدم صغيرة آتية نحوي، وما لبث أن دخل ولدنا الكبير فؤاد خائفا وجلا يصيح: إنه قادم يا أماه! ... فاضطربت من هذا النذير وأخذت أنظر إلى وجهه الناحل وعينيه المسكينتين وفمه الدقيق الحساس، وأنا أغالب النفس أمنعها أن تنظر أو تتألم لما تنظر ...
قلت في عجلة: وأين أختاك «سميحة وسوسنة»؟ قال: هما آتيتان بالبقرات من الحقل يا أماه، وقد تأخرنا في الرجوع لأن «سوسنة» تشكو عثرة أليمة أصابت قدمها.
قلت: وهل علفت أنت وأخوك الأغنام وسقيتها؟ قال: نعم يا أمي لقد فعلنا، وقد ذهب ليحضر الوقود والحطب وأنا ماض لأعينه عليه، وإنما جئت اللحظة لكي أنبهك يا أم إلى أن أبانا قد حضر.
قلت: أسرع يا بني وجئ بالدلو ممتلئا، فأنت تعرف غضبة أبيك كلما رأى الدلو فارغا.
وأخذت أعدو وأروح في المطبخ مسرعة لهفة أعد العشاء جاعلة من يدي الاثنتين أربعا، وإذا بطفلي الصغير سعد الذي لم يعد الحول الثاني قد جاء من فناء البيت باكيا صائحا، وكان قد جرح إصبعه فأبكاه الألم ولعب النعاس بعينيه، ووقف يقول: جوعان يا ماما.
قلت: لا بكاء أيها العزيز، وستأخذك أمك إليها إذا فرغت من تجهيز العشاء.
فعاد يصيح ويتململ.
وسمعت وقع أقدام دانية ... فهمست للوليد أقول: سكوتا، ها هو ذا بابا قادم إلى البيت فخير لك أن تكف عن البكاء فإن بابا لا يحب أن يسمع صوتك باكيا، فكف الوليد عن العويل مرة واحدة وإن ظلت شفتاه تختلجان وتضطربان، وارتفع صوت أجش خشن النبرات عند الباب يقول: ألم ينته تجهيز العشاء بعد؟
Page inconnue