373

Le perfectionnement dans les fondements des jugements

الإحكام في أصول الأحكام

Maison d'édition

المكتب الإسلامي

Numéro d'édition

الثانية

Année de publication

1402 AH

Lieu d'édition

(دمشق - بيروت)

فَإِنْ قِيلَ: إِنَّ الصَّاحِبَ فِي الْعُرْفِ إِنَّمَا يُطْلَقُ عَلَى الْمُكَاثِرِ الْمُلَازِمِ، وَمِنْهُ يُقَالُ: أَصْحَابُ الْقَرْيَةِ، وَأَصْحَابُ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ وَأَصْحَابُ الرَّسُولِ، وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ، لِلْمُلَازِمِينَ لِذَلِكَ، وَأَصْحَابُ الْحَدِيثِ لِلْمُلَازِمِينَ لِدِرَاسَتِهِ وَمُلَازَمَتِهِ دُونَ غَيْرِهِمْ.
وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ: فُلَانٌ لَمْ يَصْحَبْ فُلَانًا، لَكِنَّهُ وَفَدَ عَلَيْهِ أَوْ رَآهُ أَوْ عَامَلَهُ، وَالْأَصْلُ فِي النَّفْيِ أَنْ يَكُونَ مَحْمُولًا عَلَى حَقِيقَتِهِ، بَلْ لَا بُدَّ مَعَ طُولِ الْمُدَّةِ مِنْ أَخْذِ الْعِلْمِ وَالرِّوَايَةِ عَنْهُ، وَلِهَذَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ الْمُزَنِيُّ صَاحِبُ الشَّافِعِيِّ، وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ صَاحِبَا أَبِي حَنِيفَةَ (١) وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ لِمَنْ رَآهُمَا وَعَاشَرَهُمَا طَوِيلًا وَلَمْ يَأْخُذْ عَنْهُمَا، أَنَّهُ صَاحِبٌ لَهُمَا.
وَالْجَوَابُ عَنِ الشُّبْهَةِ الْأُولَى: أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ اسْمَ الصَّاحِبِ لَا يُطْلَقُ إِلَّا عَلَى الْمُكَاثِرِ الْمُلَازِمِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ صِحَّةِ إِطْلَاقِ اسْمِ الصَّاحِبِ عَلَى الْمُلَازِمِ الْمُكَاثِرِ كَمَا فِي الصُّوَرِ الْمُسْتَشْهَدِ بِهَا امْتِنَاعُ إِطْلَاقِهِ عَلَى غَيْرِهِ، بَلْ يَجِبُ أَنْ يُقَالَ بِصِحَّةِ إِطْلَاقِ ذَلِكَ عَلَى الْمُكَاثِرِ وَغَيْرِهِ حَقِيقَةً، نَظَرًا إِلَى مَا وَقَعَ بِهِ الِاشْتِرَاكُ نَفْيًا لِلتَّجَوُّزِ، وَالِاشْتِرَاكُ عَنِ اللَّفْظِ وَصِحَّةِ النَّفْيِ إِنَّمَا كَانَ لِأَنَّ الصَّاحِبَ فِي أَصْلِ الْوَضْعِ، وَإِنْ كَانَ لِمَنْ قَلَّتْ صُحْبَتُهُ أَوْ كَثُرَتْ، غَيْرَ أَنَّهُ فِي عُرْفِ الِاسْتِعْمَالِ لِمَنْ طَالَتْ صُحْبَتُهُ، فَإِنْ أُرِيدَ نَفْيُ الصُّحْبَةِ بِالْمَعْنَى الْعُرْفِيِّ فَحَقٌّ، وَإِنْ أُرِيدَ نَفْيُهَا بِالْمَعْنَى الْأَصْلِيِّ فَلَا يَصِحُّ.
وَهَذَا هُوَ الْجَوَابُ عَمَّا قِيلَ مِنِ اشْتِرَاطِ أَخْذِ الْعِلْمِ وَالرِّوَايَةِ عَنْهُ أَيْضًا.
وَإِذَا عُرِفَ ذَلِكَ، فَلَوْ قَالَ مَنْ عَاصَرَ النَّبِيَّ ﷺ أَنَا صَحَابِيٌّ مَعَ إِسْلَامِهِ وَعَدَالَتِهِ، فَالظَّاهِرُ صِدْقُهُ.
وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يُصَدَّقَ فِي ذَلِكَ، لِكَوْنِهِ مُتَّهَمًا بِدَعْوَى رُتْبَةٍ يُثْبِتُهَا لِنَفْسِهِ، كَمَا لَوْ قَالَ: أَنَا عَدْلٌ، أَوْ شَهِدَ لِنَفْسِهِ بِحَقٍّ.
هَذَا مَا أَرَدْنَاهُ مِنَ الشُّرُوطِ الْمُعْتَبَرَةِ.

(١) الْمُزَنِيُّ هُوَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ يَحْيَى بْنِ إِسْمَاعِيلَ أَبُو إِبْرَاهِيمَ الْمِصْرِيُّ الشَّافِعِيُّ مَاتَ سَنَةَ ٢٦٤ هـ عَنْ ٨٩ سَنَةً، وَأَبُو يُوسُفَ هُوَ يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْأَنْصَارِيُّ الْكُوفِيُّ الْحَنَفِيُّ الْقَاضِي، مَاتَ سَنَةَ ١٨٢، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ هُوَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الشَّيْبَانِيُّ مَاتَ سَنَةَ ١٨٩.

2 / 93