شَدِيدَة وَفعل مُنْكرا عَظِيما وَهُوَ يعْتَقد لجهله أَنه قد نشر فِي النَّاس مسَائِل الدّين ويظن من اتبعهُ فِي الْأَخْذ عَنهُ أَن هَذَا الَّذِي جَاءَ بِهِ هَذَا المُصَنّف هُوَ الشَّرِيعَة فانتشر بَين الْجَاهِلين أَمر عَظِيم وفتنة شَدِيدَة
وَهَذَا هُوَ السَّبَب الْأَعْظَم فِي اخْتِلَاط الْمَعْرُوف بالمنكر فِي كتب الْفِقْه وَغَلَبَة علم الرَّأْي على علم الرِّوَايَة
فَإِن المتصدر للتصنيف فِي كتب الْفِقْه وَإِن بلغ فِي إتقانه وإتقان علم الْأُصُول وَسَائِر الْفُنُون الآلية إِلَى حد يتقاصر عَنهُ الْوَصْف إِذْ لم يتقن علم السّنة ويعرفه صَحِيحه من سقيمه ويعول على أَهله فِي إصداره وإيراده كَانَت مصنفاته مَبْنِيَّة على غير أساس لِأَن علم الْفِقْه هُوَ مَأْخُوذ من علم السّنة إِلَّا الْقَلِيل مِنْهُ وَهُوَ مَا قد صرح بِحكمِهِ الْقُرْآن الْكَرِيم فَمَا يصنع ذُو الْفُنُون بفنونه إِذا لم يكن عَالما بِعلم الحَدِيث متقنا لَهُ معولا على المصنفات الْمُدَوَّنَة فِيهِ
وبهذه الْعلَّة تَجِد المصنفين فِي علم الْفِقْه يعولون فِي كثير من الْمسَائِل على مَحْض الرَّأْي ويدونونه فِي مصنفاتهم وهم لَا يَشْعُرُونَ أَن فِي ذَلِك سنة صَحِيحَة يعرفهَا أقل طَالب لعلم الحَدِيث وَقد كثر هَذَا جدا من المشتغلين بالفقه على تفاقم شَره وتعاظم ضَرَره وجنوا على أنفسهم وعَلى الشَّرِيعَة وعَلى الْمُسلمين
وَإِذا شَككت فِي شئ من هَذَا فَخذ أَي كتاب شِئْت من الْكتب المصنفة فِي الْفِقْه وطالعه تَجِد الْكثير الْوَاسِع وَكَثِيرًا مَا تَجِد فِي ذَلِك من الْمسَائِل الَّتِي لم تدع إِلَيْهَا حَاجَة وَلَا قَامَ عَلَيْهَا دَلِيل بل مُجَرّد الْفَرْض وَالتَّقْدِير وَمَا يَدُور فِي مناظرة الطّلبَة ويسبق إِلَيْهِ أذهانهم فَإِن هَذَا يكون فِي الِابْتِدَاء سؤالا ومناظرة ثمَّ يُجيب عَنهُ من هُوَ من أهل الْفِقْه وغالب من يتصدر مِنْهُم وَينْفق بَينهم هُوَ من لَا الْتِفَات لَهُ إِلَى سَائِر الْعُلُوم وَلَا اشْتِغَال مِنْهُ بهَا وَلَا يعرف الْحجَّة وَلَا يَعْقِلهَا فيدون الطّلبَة جَوَابه وَيصير حِينَئِذٍ فَقِيها وعلما وَهُوَ كَلَام جَاهِل لَا يسْتَحق الْخطاب وَلَا يعول على مثله فِي جَوَاب لَو تكلم مَعَه الْمُتَكَلّم فِي فن من فنون الِاجْتِهَاد لَكَانَ ذَلِك عِنْده بِمَنْزِلَة من يتَكَلَّم بالعجمية وَيَأْتِي بالمعميات ويتعمد الألغاز
1 / 80