ثم انظر بعد ذلك فى أفعال عضو عضو من هذه الأعضاء، كالنظر بالعينين، إذا وجدته صحيحا قويا، وكقوة الاشتمام والاستماع والذوق وتعرف الطعوم على صحتها ، وكدرك حقيقة الملموسات مثل الحار والبارد والرطب واليابس، وما يتبع هذه من الكيفيات كالصلابة واللين والخشونة والملاسة، وما شابه هذه. فإن بصحة هذه الأفعال ينبغى لك أن تقضى على صحة الأعضاء الفاعلة لها، وبصحتها أيضا، وبصحة الأعضاء الفاعلة لها، مع صحة التخيل، وجودة التمييز، وقوة الحفظ، فاقض على جودة صحة مزاج الدماغ مع سائر ما تقدم من العلامات!
وحينئذ فاعن بحفظ الدماغ، وحفظه يتم بتعديل ما يرد إليه، والأشياء الواردة على الدماغ منها طبيعية، ومنها ما ليست طبيعية. ولأن التى ليست بطبيعية لا وجه لذكرها هاهنا، إذ هى من أسباب الأمراض، فلذلك ينبغى أن أذكرك بالطبيعية فقط، وأعرفك من فروعها جملا، لتتخذها لك أصولا تفرع منها، وتقيس عليها ما لم أذكره. فيمكنك بذلك أن تحفظ على الدماغ، وعلى سائر أعضاء البدن ما بطن منها، وما ظهر، صحتها. فافهم ذلك، واتخذه قانونا!
والأمور الطبيعية هى هذه: حالات الهواء، والحركة والسكون، والمأكول والمشروب، والاستفراغ، والاحتقان، والنوم واليقظة، والأعراض النفسانية، والبلدان والأعمال، والعادات، وقوة الجسم، والسن، والسحنة، وطبيعة البدن. واعلم أنك إذا عرفت مزاج أى عضو أردت حفظ صحته من أعضاء البدن — أعنى المزاج المعتدل، وهو المسمى صحة — ثم عدلت كل واحد من هذه الأمور الطبيعية بحسبه، كانت أسبابا لصحته. وكذلك إذا صارت بها أمراضه، كانت أسبابا لشفائه من أمراضه. فتيقظ لذلك، واجعل ما نذكره من منافعها للدماغ مثالا لك تستعمله فى باقى أعضاء البدن، إذا قصدت حفظ صحتها، أو علاج أمراضها.
Page 24