واستوص بوصية ارسطوطاليس للاسكندر! فإنه قال: لا تمل إلى الغضب، فإنه من أخلاق السباع والصبيان! لا تفرط فى الجزع على ما فاتك، فإن ذلك من خواص النساء الضعفاء! ولا تمل إلى النكاح، فإنه من خواص الخنازير، وهى أقوى عليه منك، وهو يهلك العمر! أصلح نفسك لنفسك، فيكون الناس تبعا لك! وتمسك بالحرية، فإنها فضيلة للنفس، بها تكون السماحة فى البذل لاقتناء الحسنات! وكن شريف الهمة! فإن من شرفت همته، نال الخير والكرامة، ومن دنت همته نال الشر والهوان. إنصرف إلى تسديد رأيك، وميز الخير من الشر برزانة، ليوجد منطقك سديدا، وفعلك حميدا! وتوق القلق عند الغضب، والإفراط فى العقوبة عند الأدب! واحذر اللجاج مع شراسة الخلق، فإنهما يدلان على الحمق! كن قوى النفس عند الأمور المفزعة، لا يتداخلك الرعب ولا من الموت! وكن مقدما شجاعا عند الاضطرار إلى المخاطرة، مؤثرا للموت المحمود على البقاء المذموم! إستعمل الصبر، وتجشم التعب، ولا ترغب فى الراحة واللعب! كن عفيفا دمثا شكلا ذا وقار، لئلا تكون سخيفا زريا ذا احتقار! إحرق الشهوات بنار الصبر، قبل أن توردك اللذات إلى عميق القبر! مع تمسك بالعدل، فتمسك بسنن ملتك وبلدك، ولا تخرج عن إجماعهم، واحذر مخالفة الشريعة، لئلا تكون عقوبتك قريبة سريعة!
قال ارسطوطالس: أول العدل ما قضيناه من حق الله تعالى. وبعد ذلك ما نلزم أنفسنا من طاعة الملوك. وبعده الذى يجب علينا لأهل مدينتنا وبلادنا وآبائنا. وبعده ما نفعله مع سلف منا. وفى ذلك رحمة هى جزء من العدل أو من لواحقه. وقد يلحق العدل السلامة والصحة والأمانة وبغض الشرور. كن ذا لطافة ورأفة ومروة، فإن ذلك من أخلاق الحرية!
قال اوميرس الشاعر: لا ينال المراتب السنية بخيل، ولا يرتقى على الدرجة العليا إلا كريم. ود الأقرباء، وحب الأخيار 〈و〉تحنن على الغرباء، فإن ذلك من فعال الأحرار الأدباء! ليس السعادة حب الكرامة، والتفتق، والتمتع باللذات، والسرور بالسلطنة، والغلبة عند المبارزة، فإن اعتياد هذه 〈الأمور〉 ومداومتها يرخى النفس، ولكن احتمال الشقاء، وقوة النفس عند النصب، والاغتباط بالقناعة، جميع ذلك من السعادة وكبر الهم والشجاعة.
قال سقراطيس: قارض الله دهرك، واجتهد فى ذلك مع موافقة الجماعة فإن العصمة بذلك مع العمل بالسنة! ثم كن بعد ذلك مع والديك كما تحب أن يكون معك بنوك! وكفى بهذه غاية وصفة لعظيم حقهما عليك، إن كنت ترى لنفسك على والدك حقا. إبطاؤك بالمواخاة أحسن بك من أن تواخى اليوم وتهجر غدا، فلا خير فى سرعة المواخاة وتعجيل الصريمة فإن كليهما من عمل أهل السخافة والطيش. واعلم أن مودة الأخيار دائمة زائدة، ومودة الأشرار سريعا بائدة. وأصلح من ميراث المال من الآباء، وراثة الإخوان والأحباء! عند الشدائد تمتحن صحة الصداقة، كما يمتحن صحيح الذهب بالنار. أسبق بالجميل إلى أصدقائك، قبل التماسهم ذلك منك، وخاصة إن عثر الدهر بهم! أودع الخيرات لأهل الصلاح والأبرار، ولا تشق عليهما بأهل الطلاح والأشرار! أمقت المخادع والملاق، كمقتك الكذاب والسراق! كن سهلا خلطا بالإخوان، مكرما مفضلا على الجيران! أقرب ممن قرب إليك، واعف عمن جفا عليك، واعلم أن استقامة الأدب مع الحكمة خير من المال والسلطنة!
Page 13