وسأله زيتون: «أتود البقاء هنا أم مصاحبتي؟»
كان ناصر يعرف أنه سيكون سالما في الحرم الجامعي؛ لانتفاء تعرض المكان للغمر بالماء أو للجرائم، ولكنه صاحب زيتون على الرغم من ذلك؛ لأنه كان يريد أيضا أن يرى ما حدث للمدينة ومنزله.
هرع ناصر إلى المبنى ليحضر حقيبته الخفيفة ثم دخل القارب، وأعطاه زيتون المجداف الآخر وانطلقا.
كان ناصر في الخامسة والثلاثين من عمره، فارع الطول، على بشرته نمش، وشعر رأسه أحمر غزير، كان هادئ الطبع، وإن كانت به عصبية طفيفة، وعندما شاهدته كاثي أول مرة ظنت أنه ضعيف البنية، وكان قد عمل يوما ما بطلاء المنازل، وعمل لحساب زيتون في بعض الأوقات، لم يكونا صديقين حميمين، ولكن مقابلة ناصر مصادفة هنا بعد الطوفان أدت إلى التسرية عن زيتون بعض الشيء؛ إذ كانا يشتركان في جانب كبير من الخلفية، مثل النشأة في سوريا، والهجرة إلى أمريكا ونيو أورلينز، والعمل بالحرف اليدوية.
وأثناء التجديف في القارب تحدثا عما شاهداه حتى الآن، وعما كانا يأكلانه، وكيف كانا ينامان، كان كلاهما قد سمع الكلاب تنبح، كانت الكلاب تنبح دائما بالليل، وكان ناصر أيضا قد قام بإطعام الكلاب في المنازل الخالية، وفي الشوارع، حيثما كان يصادفها، كان ذلك جانبا من أغرب جوانب هذه الفترة الواقعة بين عهدين - أي بعد العاصفة، ولكن قبل عودة أي أحد إلى المدينة - أي وجود هذه الآلاف من الحيوانات التي خلفها أصحابها وراءهم.
زادت قوة الرياح الآن، فظلا يكافحان المطر الغاضب الذي ينهمر في خطوط أفقية وهما يجدفان حتى تجاوزا مكتب البريد بالقرب من مكان انتظار السيارات في شارع جيفرسون عند تقاطعه مع شارع لافيت. كانت ساحة الانتظار قد أصبحت موقعا لإجلاء السكان، فالمقيمون الذين يريدون الانتقال من المدينة جوا يأتون إلى مكتب البريد حتى تنقلهم الطائرات العمودية إلى بر النجاة المفترض.
وعندما اقتربا من ذلك الموقع سأل زيتون ناصرا إن كان يرغب في الرحيل، وقال ناصر إن الوقت لم يحن بعد؛ إذ إنه كان يسمع عن أهالي نيو أورلينز الذين تقطعت بهم السبل تحت الجسور العلوية الرابطة ما بين الطرق، ولم يكن يريد أن يكون واحدا منهم، وهكذا قرر ناصر أنه سوف يظل في المدينة حتى يسمع أنباء موثوقا بها عن نجاح حالات الإجلاء من المدينة، وقال له زيتون إنه يرحب بنزوله في منزله بشارع دارت أو في المنزل الآخر بشارع كليبورن، وكان ذلك بمثابة نعمة من السماء لم يتوقعها ناصر الذي كان يريد الاتصال بعدد من أقاربه لإطلاعهم على أنه لا يزال حيا.
واستمرا يجدفان في طريق العودة إلى شارع كليبورن، ومرا بصندوق كامل من زجاجات المياه المعلبة تتراقص وسط المجرى المائي، فأخذاه ووضعاه في القارب، وواصلا المسير.
وعندما وصلا إلى المنزل خرج ناصر من القارب وبدأ يربطه في المرسى، وكان زيتون يخطو خارجا منه حين سمع صوتا يدعوه باسمه. «زيتون!»
كان يظن أنه تشارلي راي يناديه من المنزل المجاور، ولكن الصوت كان قادما من المنزل الواقع خلف منزل تشارلي، في شارع روبرت. «نحن هنا!»
صفحه نامشخص