كانت كاثي تخبر زيتون أحيانا بمثل هذه الحالات، وأحيانا تتكتمها، ولكنها لم تكن تذكرها قط حول مائدة العشاء، وكان عادة ما يضحك منها وينساها، ولكنها كانت أحيانا تثير أعصابه. كان شعوره بالإحباط إزاء بعض الأمريكيين شعور الوالد الذي خاب ظنه، كان بالغ الرضا في هذا البلد، مبهورا وعاشقا للفرص التي تتيحها للفرد، ولكن لماذا يخون الأمريكيون أحيانا ذواتهم الحقة؟ أي إنك إذا جعلته يبدأ الحديث في هذا الموضوع كنت تقول: وداعا لوجبة هنيئة. فهو يبدأ بالدفاع عن المسلمين في أمريكا، ويتخذ من ذلك منطلقا للتوسع في عرض القضية. كان يبدأ قائلا: إن كل جريمة ترتكب منذ الهجمات في نيويورك أصبحت تنسب إلى مسلم، ومن ثم يشار إلى دين ذلك الشخص، بغض النظر عن علاقته بالموضوع. وإذا ارتكب مسيحي إحدى الجرائم، فهل يذكرون دينه؟ وإذا استوقف مسيحي في أحد المطارات بسبب محاولة اصطحاب مسدس في الطائرة، فهل يخطر العالم الغربي بأن مسيحيا قبض عليه اليوم وأنه يخضع للتحقيق معه؟ وماذا عن الأمريكيين من أصول أفريقية؟ حين يرتكب رجل أسود جريمة من الجرائم، فإن ذلك يذكر في مستهل الخبر «قبض على رجل أمريكي من أصول أفريقية اليوم ...» وماذا عن الأمريكيين من أصول ألمانية؟ أو أصول إنجليزية؟ قد يسطو رجل أبيض على دكان صغير فهل نسمع أنه ينحدر من أسلاف اسكتلندية؟ لا تذكر السلالة أبدا في أي من هذه الحالات.
وعندها يقتطف بعض ما يقوله القرآن:
يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا وإن تلووا أو تعرضوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا (النساء: 135).
كانت كاثي تدهش لعمق معرفته بالقرآن الكريم وسرعة استشهاده بالآية المناسبة لأي موقف من المواقف. ومع ذلك، فهل تليق هذه المحادثة على مائدة العشاء؟ كان من الصالح للأطفال إدراك وجود أمثال هذا التعصب، ولكن الأمر لم يكن جديرا باستفزاز زيتون ومشاهدة خيبة أمله بعد أن قضى في العمل يوما طويلا، ومع ذلك كان زيتون يستطيع آخر الأمر أن يضحك من أمثال هذه الأحداث وينساها، وأما الذي لم يكن يطيقه قط فهو أن يرفع أحد العملاء صوته على كاثي.
وقد مر بهما عميل من هؤلاء، كانت امرأة في مقتبل العمر متزوجة من طبيب. كانت نحيلة جميلة وذات هيئة لا يعيبها شيء أبدا، ولم تبد أدني انزعاج عندما عرض زيتون عليها تقديره للتكاليف، وبدأ العمل في طلاء الدرج وغرفة الضيوف. وقالت لزيتون إنها كانت تتوقع، هي وزوجها، وصول ضيوف ينزلون بالمنزل، وأرادت الانتهاء من طلاء الدرج وغرفة الضيوف أيضا في غضون خمسة أيام فقط. وقال زيتون إن هذه مدة محدودة ولكنها لا تمثل مشكلة لشركته. وغمرتها السعادة الجارفة؛ إذ لم تقبل أي شركة طلاء أخرى الالتزام بمثل هذا الزمن المحدود.
وأرسل زيتون فريقا من ثلاثة عمال في اليوم التالي، ولما رأت العميلة كفاءة ذلك الفريق في العمل وسرعة إنجازه، سألت زيتون إن كان في إمكان الفريق طلاء مكتب زوجها وغرفة نوم ابنتها، وقال لها إن ذلك ممكن، فأرسل المزيد من عمال الطلاء إلى المنزل، واستمرت هي في إضافة غرف أخرى وأعمال أخرى، بما في ذلك تركيب بلاط جديد في الحمام وطلائه، وواصل رجال زيتون تنفيذ العمل بسرعة.
ولكن تلك السرعة لم تكن كافية، ففي اليوم الثالث اتصلت كاثي بزيتون وقد أشرفت على البكاء، قالت إن المرأة اتصلت بها أربع مرات متوالية في زمن قصير، وهي تشتم وتسب وتلعن، كانت العميلة تصرخ قائلة إن العمل لم يكتمل في المنزل، وضيوفها يصلون بعد أقل من يومين، وقالت لها كاثي إن رجال زيتون انتهوا من العمل الأصلي في أقل من المدة المطلوبة، ولكن ذلك لم يكن مطلب العميلة، كانت تريد كل شيء - كانت تريد الانتهاء من الغرف السبع كلها بمهامها التي لا تحصى - في خمسة أيام، كانت تريد أداء ثلاثة أضعاف العمل في الوقت المحدد للعمل الأصلي.
وحاولت كاثي استخدام المنطق معها، وقالت إنها لم تتعهد قط، وما تعهد زيتون قط بالقدرة على الانتهاء من جميع الأعمال الإضافية في خمسة أيام. فمثل ذلك الجدول الزمني غير منطقي، ولا تستطيع أي شركة، حتى لو كانت شركة زيتون نفسه، الانتهاء من العمل في مثل ذلك الوقت. ولكن العميلة لم تكن تعرف المنطق، بل ظلت تنبح في وجه كاثي وتغلق التليفون ثم تتصل من جديد وتغلق الخط، كان صوتها عاليا، ونبراتها مترفعة، ولهجتها قاسية.
واتصلت كاثي، والدموع تنساب من عينيها، بزيتون على تليفونه الخلوي أثناء سيره بالشاحنة إلى موقع عمل في الجانب الآخر من المدينة. وحول زيتون وجهة الشاحنة، حتى من قبل انتهاء مكالمة كاثي، وانطلق يقودها بأقصى سرعة يسمح بها القانون إلى منزل تلك العميلة. وعندما وصل إليه دخل بهدوء إلى المنزل وأخبر عماله أنهم سيرحلون، وفي غضون عشر دقائق كانوا قد جمعوا كل معداتهم، من علب الطلاء إلى السلالم، ومن الفراجين إلى المشمعات الواقية، ووضعوها في شاحنة زيتون.
وفي أثناء تراجع زيتون بالشاحنة إلى الخلف استعدادا للرحيل، جاء زوج العميلة يجري ملهوفا إلى زيتون. وسأله عما أغضبه، ماذا حدث؟ وكان غضب زيتون قد بلغ حدا جعله يعجز عن العثور على الكلمات المناسبة بالإنجليزية. والواقع أن امتناعه عن الكلام كان أفضل، وانتظر ثواني معدودة ثم قال إنه لا يقبل أن يتحدث أحد بذلك الأسلوب إلى زوجته، وإنه قد ترك العمل وانتهى الأمر وتمنى له حظا حسنا.
صفحه نامشخص