152

وسار أبو القاسم سير السحاب تحثه ريح الجنوب، حتى أناخ بظاهر نيسابور مستطيلا بشوكة رجاله، وشكة أبطاله، فأرسل إليه بكتوزون يعلمه أن الحروب سجال، وحسن الظن بعواقبها محال، وأن في قرع [85 ب] باب البغي تعرضا للبلاء، واستئذانا على سوء القضاء، وإنما يصبر على الكفاح من لم يجد وجها للصلح والصلاح. فأما من كان في فسحة من الرأي وندحة «5» من الاختيار، فإنه ينفس بنفسه «6» عن التغرير بها في مباشرة القتال، ومساورة الأبطال، ومغامسة الأهوال. وإن الرأي له أن يعدل إلى قهستان ليتنجز «1» له من الأمير أبي الحارث ولاية هراة معها رعاية لحق خدمته وقدمته، وسابق مواته وأذمته. فضربه أبو القاسم بأذن مستكة عن الانتصاح، منسدة عن الصلاح. وحمله الإدلال بحاله ورجاله على التحكم والتسحب، والتمتع والتعصب، وأهاب بعسكره إلى الحرب. فاصطبحوا على مساقاة الطعان والضراب، ومعاناة الحراب ببيض الصفاح وزرق الحراب، ذاهلين عن مصرع الغرر، واثقين بمطلع النجح والظفر.

وعبى بكتوزون رجاله الفتاك، وأشباله الأتراك، في سائر من أظلتهم رايته من قواد الأمير أبي الحارث وأنصاره، والمعتصمين بذمة شعاره، فالتفوا قبالة قرية تدعى بشنجة «2» بظاهر نيسابور، واجتلى أبو القاسم منهم نجوما [86 أ] ورجوما «3»، ولاقت بكارته «4» الحقاق «5» قروما «6».

واشتبكت الحرب بينهم نفحا بالمناصل، وضربا بالمعاول «7» ووخزا بأطراف العوامل، واشتعل أصحاب أبي القاسم فيهم كالنار في دقاق العوسج، أو يبيس العرفج، ضربا هبرا، وطعنا نترا ، ورميا سعرا، وطرحوا ميمنتهم على ميسرتهم طردا ودحرا، وقهرا وقسرا، حتى إذا ظنوا أن قوادم الهزيمة، قد أفرجت لهم عن خوافي الغنيمة، صك بكتوزون قلب أبي القاسم بحملة أزلقتهم عن المقام، وأعجلتهم «8» للانهزام، فانصاعوا مخذولين مفلولين يقودهم الخجل، ويسوقهم الخوف والوجل، وقبض في منهزمهم على أبي القاسم الفقيه أحد أركان أبي علي «9» في أيامه بمشهور رأيه ودهائه، ومذكور غنائه ومضائه، وعلى عدة من قواده، ووجوه سواده.

صفحه ۱۶۰