ومن العجب العاجب «1» في أمره أني حضرته ذات يوم وقد جرى حديث العلل في إقبالها وزوالها، فقال وهو يشير إلى كاتبه أبي الفتح البستي «2»: مثلنا أيها الشيخ في اختطاف المنايا أرواحنا مثل القطيع يعمد الجزاز «3» إلى الضائنة «4» منها فيطرحها إلى الأرض، [76 ب] ويوثق قوائمها للجز، فلا تزال تقلق لخلاف العادة، وتضطرب خوف الإبادة، إلى أن يقضي الجزاز منها وطره، فيحل وثاقها، ويحسن إطلاقها، فترتاح لما يتاح لها من النجاة، ويعاد إليها من روح الحياة، حتى إذا كان من قابل «5»، عاد الجزاز لعادته فيها، فطفقت لها بين أمل ويأس، ونفرة واستئناس، تظن أن الأمر كما عهدت تارة، وتخشى خلاف العادة أخرى، إلى أن يقع الإفراج عنها فتطفر فرحى بالنجاة، وتعود مرحى في النبات، فما هي إلا الثالثة حتى يسلمها إلى القصاب «6»، فيمر الشفرة على ودجيها أوثق ما كانت بالعادة، وأبعدها من المخافة، وآمنها من الآفة. كذلك «7» نحن فيما يتعاقب علينا من الأمراض، ويستمر بنا من الأوصاب «8»، بينا نحن نحسن الظن بما يطرق منها إذ قامت الواعية، وسارت بها «9» الناعية. فكان بين هذا التمثيل وبين أن قضى نحبه قدر عفار «10» النخل، فقضينا العجب بعده لما أملاه المقدور في شأنه على لسانه.
صفحه ۱۴۵