واحات العمر: سیره ذاتیه: الجزء الأول
واحات العمر: سيرة ذاتية: الجزء الأول
ژانرها
وفي يوم جمعة لا أنساه، عندما عدت من الصلاة في المسجد القريب، وجدت خالي في المنزل. وانتهزت الفرصة لأسأله عن كيفية نظم الشعر. كنا في يناير 1950، وكان الجو صحوا، وهو في حالة نفسية رائعة، بعد أن شاهد فتاة أحبها وقرر الزواج منها. ولم يسألني خالي (الطبيب) كيف عرفت أنه يكتب الشعر أو يعرف أسرار النظم، (وكنت قد عثرت على مجموعة شعرية قديمة كتبها في صباه بين الكتب في منزل بدر الدين)، ولكنه جاء بالورق والقلم وشرح لي بأسلوب المدرس المحترف كيفية تقطيع البيت التالي:
إذا كشف الزمان لك القناعا
وهب إليك صرف الدهر باعا
وتركني وذهب إلى والدتي ليصل ما انقطع من حديثه. وسرعان ما كتبت كلاما على الوزن نفسه، هو:
وكم من أحجيات قد رأينا
يحار لحلها العقل اللبيب
ولكنني لاحظت أنني، على نجاحي في محاكاة الشطر الثاني تماما، سكنت خامس التفعيلة في الشطر الأول مرتين. وحاولت مرارا إصلاح ذلك دون جدوى، فسألت خالي فقال دون اهتمام ودون تقطيع: «صح. يجوز»، وعاد للحديث مع والدتي. وقضيت اليوم كله أحاول أن أكتب كلاما له معنى في هذا البحر، وكلما عرضته على خالي ضحك وقال: لا .. لا معنى له! وعندما دافعت قائلا إنه له معنى ما بالتأكيد، رد قائلا: المفروض أن يكون له معنى له قيمة، معنى يعتد به! وعندما كبرت ودرست قول القائل إن الشعر كلام موزون مقفى له معنى، عادت إلى ذهني هذه العبارة التي قالها طبيب لم يدرس النقد الأدبي ولم يتخصص فيه.
وعثرت ذات يوم على صفحة في الكتاب الذي كان يسجل فيه والدي ما يعجبه من أقوال (الموسوعة الأدبية) تتضمن بحور الشعر الستة عشرة، وأمام كل بحر شطر يذكر الإنسان بالوزن؛ فالرجز أمامه «في أبحر الأرجاز بحر يسهل»، والهزج أمامه «على الأهزاج تسهيل»، والطويل «طويل له دون البحور فضائل» وهكذا، وقد علمت فيما بعد أن واضعها هو صفي الدين الحلي. وتعلمت أن أنظم الكلام في معظم البحور، وإن كان بعضها يمثل عقبة كأداء مثل المديد والمقتضب والمنسرح والمضارع، ولكن السريع كان دائما يتحول إلى رجز! ولم تمض شهور حتى أصبحت أجيد تقطيع ما أسمعه من نظم. وكان خالي قد خطب الفتاة واسمها اعتدال (واسم الدلال عدولة)، ونظم أبياتا أعطاها لوالدي ليلحنها له. ولم أكن سمعت بذلك إلا في اجتماع عائلي، وكان خالي معجبا بصوت والدي أيما إعجاب، ويقول إنه لو احترف الغناء لأصبح مثل عبد الوهاب! كانت كلمات المطلع تقول:
اعتدالي وأنت صفو الغواني،
اعتدالي يا خلودا في الزمان!
صفحه نامشخص