...قلت: وإقامة صفهم هناك مستمر إلى اليوم وهذا مما بقي بعد زوال سببه ولله الحمد. ... قال ابن فرحون: ثم إن السراج تزوج بنت القيشاني وكان رئيس الإمامية وفقيهها حتى إن المدينة لم يكن لها من يعرف مذهب الإمامية حتى جاءها القيشانيون من العراق وذلك أنهم كانوا أهل مال عظيم فصاروا يؤلفون ضعفة الناس بالمال ويعلمونهم قواعد مذهبهم ولم يزالوا على ذلك حتى ظهر مذهبهم وكثر المشتغلون به ولم يكن ضد ولا في مصر والشام من يلتفت إليهم لأن الملك العادل نور الدين وصلاح الدين بن أيوب كان همهما الجهاد لا يستقر لهما قرار وكان صاحب المدينة قاسم بن مهنا يحضر مع الملك الناصر صلاح الدين لما استقل بأمر حصر الفتوحات ويلازمه في الغزوات فلم يتجاسر أحد على الكلام في الإمامية في ذلك الزمان فلما صاهر القياشين السراج انكف عنه الأذى قليلا وصار يخطب ويصلي من غير حكم ولا أمر ولا نهي وكان إذا عقد في البلد عقد نكاح بغير إذن علي بن سنان وأمره طلب الفاعلين من ذلك وعزرهم وسلط عليهم الشرفاء قال: وكان المجاورون وأهل السنة إذا أرادوا عقد نكاح أو فصل حكومة على مذهبهم يأتون والدي ليعقد لهم أو ليصلح بينهم فيقول: لا أفعل حتى يأتيني كتاب ابن سنان فينهون ويعطونه ما جرت به عادته فيكتب لهم إلى والدي ما صورته: يا أبا عبد الله اعقد نكاح فلانه على فلان أو أصلح بين فلان وفلان ولم يزل الأمر كذلك حتى كانت أيام شيخ الخدام الحريري فكثر المجاورون وسألوا الملك الناصر محمد بن قلاوون أن يكون لأهل السنة حاكم يحكم بينهم ويحملهم على مذهبهم فجاء بذلك تقليد للقاضي سراج الدين وجاء على ذلك خلعة وألفا درهم وكان عنده معرفة ومداراة فقال: أنا لا أتولى حتى يحضر الأمير منصور بن جماز فقال له السراج: قد جاءني من السلطان مرسوم بكذا وأنا لا أقبل حتى تكون أنت المولى لي إن لم تكن معي ما يتم أمري ولم ينفذ حكمي فقال له: قد رضيت وأذنت فاحكم ولا تغير شيئا من أحكامنا ولا حكامنا فاستمر الحال على ذلك فصار السراج بين المجاورين وأهل السنة فلا يقدر أحد على الكلام في الأمور هو وأمر الحبس راجع إليهم والأعوان مختص بهم والاسجالات تثبت عليهم والسراج يستعين بأعوانهم واستمر ذلك مدة السراج وكان عنده صبر عظيم واحتمال كثير ثم صار بعد القضاء يأتي من مصر على هذه الحالة من مشاركة آل سنان لهم في الأمر إلى أن كتب القاضي بدر الدين القيسي في الشكاية على طفيل أمير المدينة إلى السلطان الملك الناصر وكان القاضي شرف الدين الأميوطي سبقه لذلك.
صفحه ۱۵۰