أنهى أيام ولايته فعزله السلطان وولى سعد بن ثابت فلما استقر بالمدينة بدأ يمنع آل سنان وغيرهم من التعرض للأحكام وعقد الأنكحة ورد الأمر جميعه لأهل السنة تقربا إلى قلوب السلطنة بإظهار السنة وأهلها وإخماد البدعة وأهلها وأمر بالبدء بذلك في المدينة الشريفة في الثامن والعشرين من ذي الحجة أحد شهور سنة خمسين وسبعمائة فمن يومئذ انقطع أمرهم ونهيهم بالكلية وظهرت السنة واجتمعت الكلمة. انتهى ما ذكره ابن فرحون، وفي كلام غيره نحو ذلك أيضا وإنما ذكرنا هذه الأمور كلها ليظهر لك حال من كان له الأمر في المدينة الشريفة في ذلك الزمان فلا يخطر ببالك أنه لو كان الأدب في إزالة ما أصاب ذلك المحل الشريف لما تقاصرت عنه همم أهل المدينة الشريفة في ذلك الزمان ولو لم يكن إلا اتصافهم بالبدعة لكان كافيا لأن البدعة تظلم القلب فلا يميز صاحبها بين الخطأ والصواب نسأل الله السلامة والعافية فإن قيل: فهل لا أزيل ذلك بعد رجوع شيء من الأمر لأهل السنة بالمدينة الشريفة ولم أخر ذلك إلى يومنا هذا وهلا بادر أهل بغداد للنظر في هذا الأمر؟ قلنا: الشيء إذا كان حكمه معلوما من جهة الشرع يتعين فعله، ولا ينظر إلى كون من تقدم لم يفعله، والاستدلال بفعل من تقدم إنما يكون في شيء لا يعلم حكمه من جهة الشرع، ألا ترى أن كثيرا من البدع فعلت في الزمن المتقدم واستمرت إلى يومنا هذا فهل يجوز أن يقال حكمها تغير بسبب ذلك؟ نعم لا بأس بسلوك المحامل الحسنة والتأويلات لمن تقدم فنقول: قد تقرر أن الأمر لم يرجع إلى أهل السنة إلا من مدة متطاولة بحيث نسي هذا الأمر ألا ترى أنه لا يطلع عليه الآن إلا الأفراد من الناس وقد تكلمت في هذه المسألة مع قاضي القضاة جمال الدين الباعوني لما ورد المدينة الشريفة حاجا فأورد على السؤال المتقدم فأجبته مما تقدم ثم قلت له: كم سن مولانا فقال نحو السبعين والثمانين الشك مني فقلت له: فهل اطلعت على هذا الأمر؟ فقال: لم أسمعه إلا منك الآن فقلت الاستدلال بترك من تقدم لذلك على تقدير صحته إنما يكون بعد العلم باطلاعهم عليه بأجمعهم ولم يثبت ثم من اطلع عليه قد يكون تكلم فلم يسمع منه وربما غلب عليه التقدير لمن مضى فإن الطباع قد جبلت على ذلك فلم يتجاسر على التكلم في ذلك ولأن المقام عظيم فربما يحجم ببادي الرأي عن ذلك، ولهذا قال المطري كما قدمناه في الباب الأول أنهم قصدوا عند عمارة السقف إزالة ذلك فلم يجسر أحد على النزول هناك، وقال العلامة مجد الدين فيما قدمنا عنه: أنه لا يتأتى من كل أحد بادي بدئه الدخول في ذلك والإقدام ويحتمل أن أهل السنة في ابتداء رجوع الأمر إليهم لم يفعلوا ذلك خشية من استطراق الروافض للوصول إلى الحجرة الشريفة فربما يتجاسرون على إخرج الشيخين رضي الله عنهما من هنالك فقد ذكر العلامة الشيخ محب الدين المطري في كتابه (الرياض النظرة) ما يقتضي همهم بذلك فمنعهم الله تعالى وخذلهم ولفظه: أخبرني هارون ابن الشيخ عمر وهو ثقة صدوق مشهور بالخير والصلاح والعبادة عن أبيه وكان من الأكابر قال: كنت مجاورا وشيخ خدام رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ ذلك شمس الدين صواب اللمطي وكان رجلا صالحا كثير البر بالفقراء والشفقة عليهم وكان بيني وبينه أنس فقال لي ذات يوم: أخبرك بعجيبة كان لي صاحب يجلس عند الأمير ويأتيني من خبره بما تمس حاجتي إليه فبينما أنا ذات يوم إذ جاءني فقال: أمر عظيم حدث اليوم قلت: وما هو؟ قال جاء قوم من أهل حلب وبذلوا للأمير مالا كثيرا وسألوه أن يمكنهم فتح الحجرة وإخراج أبي بكر وعمر رضي الله عنهما منها فأجابهم إلى ذلك قال صواب: فاهتممت لذلك هما عظيما فلم أنشب أن جاء رسول رسول الأمير يدعوني فأجبته فقال لي: يا صواب يدق عليك الليلة أقوام المسجد فافتح لهم مكنهم مما أرادوا ولا تعارضهم ولا تعترض عليهم فقلت له: سمعا وطاعة وخرجت فلم أزل يومي أجمع خلف الحجرة أبكي لا ترقأ لي دمعة ولا يشعر أحد بما بي حتى إذ كان الليل وصلينا العشاء الآخرة وخرج الناس من المسجد وغلقنا الأبواب فلم نلبث أن دق الباب الذي حذاء باب الأمير ففتحت الباب فدخل أربعون رجلا أعدهم واحدا بعد واحد ومعهم المساحي والمكاتل والشموع وآلات الهدم والحفر فقصدوا الحجرة الشريفة ووالله ما وصلوا المنبر حتى ابتلعتهم الأرض جميعهم بجميع ما كان معهم من الآلات والشموع وغير ذلك ولم يبق لهم أثر فاستبطأ الأمير خبرهم فدعاني وقال: يا صواب ألم يأتيك القوم؟ قلت: بلى ولكن اتفق لهم ماهو كيت وكيت. فقال: انظر ما تقول فقلت هو ذلك.
فقال: انظر هل ترى لهم من باقية أو ترى لهم أثرا فقال لي هذا موضع هذا الحديث وإن ظهر عنك يقطع رأسك ثم خرجت عنه فلما وعيت هذه الحكاية عن هارون حكيتها لجماعة من الأصحاب ومنهم من أثق بحديثه فقال وأنا كنت حاضرا في بعض الأيام عند الشيخ أبي عبد الله القرطبي والشيخ صواب يحكي له هذه الحكاية فسمعتها بأذني من فيه. انتهى كلام الطبري وقد حكى هذه الحكاية ملخصة العلامة عبد الله المرجاني في كتابه (أخبار المدينة) وقال: سمعتها من والدي يعني الوالد الكبير أبا عبد الله المرجاني وقال سمعتها من والدي أبي محمد المرجاني سمعها من خادم الحجرة.
صفحه ۱۵۲