...قال: وأخبرني بعض من أدركها وقال أبو شامة أخبرني بعض من أثق به بمن شاهدها بالمدينة أنه بلغه أنه كتب بتيماء على ضوئها الكتب فظهرت بظهورها معجزة من معجزات رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد صح أنه قال: (لا تقوم الساعة حتى تظهر نار بالحجاز تضيء لها أعناق الإبل ببصرى) فكانت هذه إذا لم يظهر قبلها من أيامه صلى الله عليه وسلم ولا بعدها نار مثلها هكذا ذكره مؤرخو المدينة.... قلت: وصرح الشيخ عماد الدين بن كثير بما يقتضي أنه قد أضاءت من هذه النار أعناق الإبل ببصرى، فقال أخبرني قاضي القضاة صدر الدين الحنفي قال: أخبرني والدي الشيخ صفي الدين مدرس مدرسة بصرى أنه أخبره غير واحد من الأعراب صبح الليلة التي ظهرت فيها هذه النار ممن كان بحاضرة بلد بصرى أنهم رأوا صفحات أعناق إبلهم في ضوء تلك النار فقد تحقق بذلك أنهم للوعود بها في الحديث الصحيح والله أعلم. ورأيت بعضهم أورد أخبار هذه النار مفصلة معزوة للقاضي سنان وغيره من الروافض لأنهم كانوا هم الأعيان بالمدينة الشريفة في ذلك الزمان وكان آية أخذ الخطابة منهم وعودها لأهل السنة على ما ذكره المؤرخون سنة اثنين وثمانين وستمائة في دولة المنصور سيف الدين قلاوون الصالحي فولي الشيخ الإمام العلامة سراج الدين عمر بن أحمد الخضر الأنصاري، وكان فقيها متقنا في علوم جمة تفقه بالإمام عز الدين بن عبد السلام وأئمة تلك الأيام وكان أول خطيب خطب لأهل السنة وكانت قبله في تلك المدة الطويلة بيد آل سنان كما تقدم فخطب سراج الدين المذكور قليلا ثم لم يقدر على الإقامة فسافر لكثرة ما ناله من الأذى منهم حتى كانوا يحصبونه بالحصى إذا صعد المنبر ثم صار السلطان في كل سنة يرسل مع الحاج شخصا يقيم لأهل السنة الخطابة والإمامة إلى نصف السنة، ثم يأتي غيره مع الرجبية إلى ينبع ثم إلى المدينة الشريفة وكل من جاء لا يقدر على الإقامة نصف سنة إلا بمشقة عظيمة لتسلط الروافض عليه وإيذائهم له، ثم إن العلامة سراج الدين المذكور وطن نفسه على احتمال الأذى وعاد إلى منصب الخطابة ولم يزل مباشرا لذلك أربعين سنة وآذوه أذى شديدا فصبر على ذلك.
صفحه ۱۴۸