اعلم وفقني الله وإياك أني قد تأملت في إهمال من كان في زمن حريق المسجد لإزالة ما أصاب ذلك المحل الشريف فوجدت السبب في ذلك تقدم الجهلة وأهل البدع في ذلك الزمان وتأخر أهل العلم والسنة فإنه لم يكن لهم إذ ذاك بالمدينة الشريفة كلمة وما كان الأمر في ذلك الزمان وقبله وبعده بكثير إلا للروافض فكان القضاة والخطابة لسنان الحسيني الرافضي وأهل بيته توارثوا ذلك في زمن الخوارج العبيدين لكن كان لأهل السنة إمام يصلي الصلوات الخمس فقط وكانت الخطبة في المدينة المشرفة باسم المتولي من العبيديين بمصر فلما كان عام سبع وستين وخمسمائة قطع صلاح الدين بن أيوب الخطبة لهم وأقامها للخليفة العباسي بعد أن تغلب على إقليم مصر من قبل نور الدين الملك العادل وتمكن منه وفي هذه السنة انقرضت دولة العبيديين وكانت خطبة بني العباس قد قطعت من تلك الأقطار مائتي سنة عام تسع وتسعين بخطبة بني عبيد ثم أقيمت للعباسيين من ذلك العهد إلى يومنا وانقطعت تلك الشجرة الخبيثة التي لو لم يكن فيها إلا الحاكم أحد خلفائهم الذي حار في أمر نفسه فادعى مرة الإلهية وساوى بين الأديان وأراد مرة إخراج المصطفى صلى الله عليه وسلم من حجرته الشريفة ونقله إلى مصر كما تقدم وفعل ما هو مشهور وكان القضا في زمن العبيديين بمصر وولي قاضيا من الشافعية وبنى لهم مدرسته المعروفة وأظهر السنة بمصر وأعزها بعد ذلها وأما أرض الحجاز فلم يتيسر له ذلك فيها لاشتغاله بأمر الجهاد وغير ذلك من الأسباب التي ذكرها أهل التاريخ فاستمر الأمر بيد الشيعة وأهل السنة في ضعف عظيم لا يقدرون على الإقامة بين أظهرهم إلا مع تحمل مشاق عظيمة تفوق الحد والوصف فإن أرباب التواريخ ذكروا أنه كان يصدر من الرافضة عظائم في الدين تنقطع عند سماعها قلوب المسلمين سيأتي ذكر طرف منها.
... قال ابن فرحون: وكان الأئمة من أهل السنة ذرية المجد إمام الحرم الشريف قال: وأدركت بعضهم وذكروا لنا أنهم أقاموا في منصبهم مستضعفين يؤذون فارتحلوا بأولادهم وتركوا أملاكهم قال: وكنت أسمع من كبار أهل المدينة أن الشرفاء بعثوا إليهم وأمنوهم أن يرجعوا إلى المدينة فلم يفعلوا حتى أخذت أملاكهم وتملكت. انتهى.
صفحه ۱۴۲