قلنا: أما كون الخبر المذكور من قبيل الآحاد فمحل نظر وعلى تسليمه فخبر الواحد إذا احتفت به القرائن أفاد العلم، إذ لو كان الأمر بخلاف ما نقلته الطبقة الأولى في مثل هذا الأمر العظيم لما خفي ولا اشتدت العناية فيه لما فيه من تنزيه الحضرة الشريفة عن ذلك وكل مسلم يحرص عليه، فجزم جهابذة الأخيار من العلماء بما قدمنا في مثل هذا المقام يجعل الاحتمال خلافه كالعدم، على أن من وجوب إزالة ذلك من قبيل العمليات بها بالظنيات والواجب لا يترك بالأمر الموهوم بل لا يسلم احتماله في هذا المقام، ونهى مالك لمن أراد إعادة الكعبة ليس من هذا القبيل لا إعادتها على تلك الهيئة ليس من الواجب بل من الكمال لهم النبي صلى الله عليه وسلم بذلك على ما ورد ولم ينقل عنه صلى الله عليه وسلم أنه أوجب ذلك ولا أمر به، فالضرورة لا تدعو إليه ولو وقع هدم في الكعبة لما قال عاقل: دعوه سدا للزريعة.
على أن ما علل به مالك رحمه الله تعالى نهيه المتقدم لا يتأتى لما نحن بصدده أن الكعبة الشريفة بقعة من المساجد المنيفة، فلو رخص في هدمها وإعادتها لرغب كل ملك في ذلك، ولرآه قربة عظيمة بخلاف الحجرة الشريفة فإن حلول المصطفى صلى الله عليه وسلم بها مع ما جعل له في القلوب من المهابة العظيمة ما منع من التهجم على ذلك إذ كل مسلم يجد من نفسه أنه لو بذل له ملء الأرض ذهبا على أن يتهجم على تلك الحضرة الشريفة ويدخلها من غير ضرورة تدعوه لما فعل ذلك ومما يدل على ذلك أن الضرورة قد دعت إلى ذلك ولم يتجاسر أحد عليه كما قدمناه عن المؤرخين مع أن الدخول لأجل الحاجة قد وجه ولم يتخذ ذلك ذريعة لغيره والله تعالى أعلم.
قصة من ولي الخطابة من غير أهل السنة والجماعة:
صفحه ۱۴۱