... ثم استمر تغلبهم على أهل السنة إلى ما بعد السبعمائة حتى قال العلامة ابن فرحون: ولقد أدركت جماعة المجاورين والخدام لا يقرؤن كتبهم ولا يسمعون حديث نبيهم صلى الله عليه وسلم إلا خفية حتى قدم الصاحب ابن حنا رحمه الله وأقام بالمدينة في سنة إحدى وسبعمائة قال: فكثر من قراء المواعد وقام على آل سنان السنان والقاشين فهابوا مكانه من السلطان واستعملوا التقية حتى زعموا أنهم رجعوا كلهم سنية وكان يأتيه من البقيع قوافل بالقمح والدقيق والأرز وأنواع الحبوب فيعطي منه الخدام والمجاورين ويمد رؤساء الإمامين وكبار الشرفاء المقيمين حتى شهدوا على أنفسهم أنهم سنية ولا يحكمون بأحكام البدعة ولم يزالوا كذلك حتى سافر الصاحب ابن حنا فرجعوا إلى حالهم ولكن بعد هضم جانبهم وكسر شوكتهم فاستمرت المواعيد والقرات والاستماع والسماعات وذهبت ببركة إقامته كثير من البدع المؤسسة في المسجد الشريف. انتهى كلام ابن فرحون... وذكر ابن جبير في رحلته أنه شاهد عند دخول المدينة الشريفة بعد رجوعه من مكة صحبة الحاج العراقي في يوم الجمعة السابع من المحرم عام ثمانين وخمسمائة أمرا يندى له الإسلام يا لله يا للمسلمين، قال وذلك أن الخطيب وصل للخطبة فصعد منبر النبي صلى الله عليه وسلم وهو على ما يذكر على مذهب غير مرضي فلما فرغ من الخطبة الأولى جلس جلسة خالف فيها جلسة الخطباء المضروب بها المثل في السرعة وابتدر الجمع مردة من الخدام يخترقون الصفوف ويتخطون الرقاب كدية على الأعاجم والحاضرين لهذا الخطيب القليل التوفيق فمنهم من يطرح له الثوب النفيس ومن يخرج له الشقة الغالية من الحرير ليعطيها وقد أعدها لذلك ومنهم من يخلع عمامته فينبذها ومنهم من يتجرد من برده فيلقي به ومنهم من يدفع القراضة من الذهب ومنهم من يمد يده بالدينارين إلى غير ذلك ومن النساء من تطرح خلخالها أو تخرج خاتمها فتلقيه إلى ما يطول وصفه والخطيب في أثناء هذه الحال كلها جالس على المنبر يلحظ هؤلاء المستجدين المستسعين على الناس بلحظات يكرهها الطمع والحرص ويعيدها الرغبة والاستزادة إلى أن كاد الوقت ينقضي والصلاة تفوت وقد ضج من له دين وإخلاص من الناس وأعلن بالصياح وهو قاعد ينتظر اشتفاف صبابة الكدية وقد أراق عن وجهه ماء الحياء حتى اجتمع له من ذلك السحت المؤلف كوم عظيم أمامه فلما أرضاه قام وأكمل خطبته وصلى بالناس وانصرف أهل التحصيل باكين على الدين يائسين من فلاح الدنيا متحققين أشراط القيامة ولله الأمر من قبل ومن بعد انتهى كلام ابن جبير من رحلته نقلته ملخصا. وذكر غيره أن ذلك كان دأبهم في كل موسم وإذا كان هذا فعلهم في الموسم مع حضور الحج من أقطار الأرض لزيارة النبي صلى الله عليه وسلم في خطبة صلاة الجمعة فما ذاك وإن كان هذا فعل خطيبهم فماذاك بغيره فلقد طهر الله تعالى حجرة رسوله صلى الله عليه وسلم من دخول هؤلاء القوم وحرمهم الفوز بإزالة ما أصاب ذلك المحل
الشريف بل لم يصب المسجد الشريف بذلك إلا لعظيم جرمهم كما أشار إليه بعضهم ولهذا أنشد بعضهم شعرا ذلك الزمان:
قل للروافض بالمدينة ما بكم لقيادكم للذم كل سفيه
ما أصبح الحرم الشريف محرقا إلا لسبكم الصحابة فيه
وأنشد بعضهم أيضا:
لم يحترق حرم النبي لحادث يخشى عليه وما به من عار
لكنما أيدي الروافض لامست تلك الرسوم فظهرت بالنار
صفحه ۱۴۴