وما ذكره الصوفية أحسن وهو أن يكون جسمه الأول بحاله لم يتغير، وقد أقام الله تعالى شبحا آخر، وروحه متصرفة فيهما جميعا في وقت واحد، وكذلك الأنبياء عليهم السلام ولا بعد أن يعطوا التصرف في بدنين أو أكثر، فيجوز أن يكون موسى عليه السلام مع كونه في السماء السادسة تمثل بشبح آخر مثالي في قبره فرآه صلى الله عليه وسلم يصلي فيه ثم رآه بعد ذلك أو قبله في السماء السادسة وتمثله على الوجه المذكور لايستلزم عوده حيا كما كان، وبهذا يظهر وجه حج الأنبياء عليهم السلام بعد موتهم، قلت: قد يعكس ذلك فيقال بل جسده الأصلي في جسده حي والشبخ المثالي هو الذي في السماء، وما ذكره في جواز تدبير الروح لأجساد متعددة كلام ظاهر إذ هو ممكن، وكل ممكن فالقدرة صالحة لا سيما إذا قلنا بما ذكره بعض الصوفية من أن الروح مجرد ليس بجسم ولا جسماني يدبر البدن مع عدم حلوله فيه كما يدبر ملك المدينة، وهو ما اختاره الغزالي كما نقله عنه البيضاوي في طوالعه، والفخر الرازي في أربعينه، وهو مذهب الحكماء، ونسبه الأصفهاني في: (شرح الطوالع) للمحققين وعليه أكثر أرباب المكاشفات في الصوفية.
وعبارة السبكي: وهو مذهب حذاق الفلاسفة، والذي يظهر أنه مذهب الغزالي أيضا ، وهكذا هو في (المظنون به على غير أهله) الكبير، و(المظنون به على غير أهله) الصغير، ولكن نقله الآمدي عنه أنه يقول: الروح فرد جوهر متحيز، والمظنون الكبير فيه أشياء من اعتقاد الفلاسفة خارجة عن اعتقاد المسلمين، ولذلك كان بعض الفضلاء ينكر نسبته إلى الغزالي وهو في (الإحياء) في شرح عجائب القلب لم يفصح بذلك، وقد نقل العلامة ابن الهمام في (مسايرته) القول بأن الروح جسم لطيف سار في البدن كماء الورد عن أكثر المتكلمين، ثم قال: والثاني أنها جوهر مجرد. ومن أهل السنة جماعة على الثاني كالغزالي والماتريدي وغيرهما ولكل منهما ظواهر. انتهى.
وعلى هذه المذاهب فلا بد في تدبير الروح لأجساد متعددة ويتضح بذلك قصة جبريل صلوات الله عليه وغيرها وضوحا وتاما وقد ذكر السؤال عن قصة جبريل عليه السلام الشيخ عز الدين بن عبد السلام فقال إذا لقى النبي صلى الله عليه وسلم جبريل في صورة دحية فأين تكون روح جبريل فإن كان في الجسد الذي له ستماية جناح فالذي أتى لا تكون روح جبريل ولا جسده وإن كان في الجسد الذي في صورة دحية يلزم أحد أمرين: إما أن يموت الجسد العظيم، أو يبقى خاليا من الروح المنتقلة عنه إلى الجسد الشبيه بجسده ولا سبيل إلى شيء منهما أما الأول فإن الميت لا يحشر قبل القيامة وقد بقي جبريل حيا إلى هذا الوقت. وأما الثاني: فإن الجسد لا يبقى إذا كان خاليا عن الروح، ثم أجاب بأنه لا يلزم أن يكون انتقالها في الجسد العظيم موجبا لموته فيبقى الجسد المنقول عنه حيا لا ينتقص من معارفه شيء ويكون انتقال روحه إلى الجسد الثاني كانتقال أرواح الشهداء إلى أجواف طير خضر. انتهى.
صفحه ۱۳۵