والتحقيق في هذه المسألة ما قدمناه عن السبكي وقد أوردوا أن صلاة موسى عليه السلام في قبره سؤالا هو: أن الصلاة من أعمال الدنيا وقد فارقها فأجاب بعضهم بأن الصلاة هنا بمعنى الدعاء والذكر وهو من أعمال الآخره وطرد هذا الإشكال أيضا في صلاته صلى الله عليه وسلم بهم في حديث الإسراء وفي قوله صلى الله عليه وسلم (كأني أنظر إلى موسى هابطا من الثنية له جوار إلى الله بالتلبية) وفي قوله في يونس (رأيته وهو يلبي) قال القاضي عياض: فإن قيل كيف يحجون ويلبون وهم في الدار الآخرة وليست دار عمل فاعلم أن للمشايخ فيما ظهر عن هذا أجوبة أحدها: أنهما أفضل من الشهداء والشهداء أحياء عند ربهم فلا يبعد أن يحجوا ويصلوا كما ورد في الحديث الآخر وأن يتقربوا إلى الله ما استطاعوا لأنهم وإن كانوا توفوا في هذه الدنيا التي هي دار العمل حتى إذا فنيت مدتها وتعقبتها الآخره التي هي دار الجزاء انقطع العمل....الثاني: أن عمل الآخرة ذكر ودعاء قال تعالى: (دعواهم فيها سبحانك اللهم)
...الثالث: أن يكون هذا رؤية منام كما قال في رواية ابن عمر: (بينما أنا نائم رأيتني أطوف بالكعبة) الرابع: أنه رأى حالهم التي كانت في حياتهم ومثلوا له كيف كانوا في حياتهم وكيف كان حجهم وتلبيتهم يدل عليه قوله: كأني أنظر إلى موسى كأني أنظر إلى يونس كأني أنظر إلى عيسى....الخامس: أن يكون أخبر عما أوحى إليه صلى الله عليه وسلم من أمرهم وما كان منهم وإن لم يرهم رؤية عين إلا أن تحقق ذلك حتى صار يتقنه له كالمشاهدة بدليل قوله كأني أنظر. انتهى.
وقال السبكي: الوجه الأول والثاني يلزم منهما الحياة والثالث لا يأتي فيه ليلة الإسراء والرابع والخامس إنما يأتيان في الحج والتلبية ونحوهما أحد جوابين أما أن نقول البرزخ ينسحب عليه أحكام حكم الدنيا في الاستكثار من الأعمال وزيادة الأجور وهذا الجواب الأول الذي ذكر القاضي وإما أن نقول أن المنقطع في الآخرة إنما هو التكليف وقد تحصل الأعمال من غير تكليف على سبيل التلذذ بها والخضوع لله تعالى فانظر إلى سجود رسول الله صلى الله عليه وسلم وقت الشفاعة أليس في ذلك عبادة وعملا ولا يمتنع حصول هذه الأعمال في مدة البرزخ ويكفي رؤية النبي صلى الله عليه وسلم في قبره.
صفحه ۱۳۳